هل يستحق الوطن كل هذا التعب اليومي الذي لا يكف من أن يكون عنوان كل صباح وما الذي جرى لبلاد بسيطة لا تستحق كل هذا التآمر ولا تقوى عليه من القاعدة إلى الحراك الانفصالي إلى الحوثية إلى أحزاب تدعي الوطن وتحتكر المواطنة؟ هل نحن بشر مازلنا ؟ أم تحولنا إلى ذئاب وكواسر كل همهاً كيف توقع الآخر وترديه صريعاً وتنتصر بطريقة خبيثة لا تعبر عن ضمير ولاعن الإنساني؟ أسئلة يطلقها فضاء الوجع المتلاحق وقد أخذ يدب في أوصال البلاد، ويوشك أن يردينا جميعاً بحيث لا يبقي ولا يذر منتصراً واحداً، وبحيث يكون الكل مداناً, وحين لا منتصر يكون الوطن هزيمة مؤلمة لا تقوى على النهوض بفعل السلبي الذي تمادى في توسعه وتحول إلى ظاهرة عصية على التلاشي بانهيار القيم الخلاقة والضمير الوطني ولوك عبارات التشرذم والانقسام والتشفي التي لا تقدم غير الدمار ولا تخلق غير الكراهية والحقد والنفور بين أبناء الوطن الواحد, وهو أمر بات واضحاً ويهدد وجوداً لاراد له من أن يكون بعدئذ رعباً كاملاً يمس ضره الجميع.
فهل نبقى صرعى هذه الخبالات والنزق وعقدة التفوق ورغبة التدمير وخيار أنا أو الدمار؟ هل نستفيق من جنون يضرب أرجاء الأرض ويشكل حضوره خوفا لا قبل لنا به؟ أما كان لنا ومن حقنا أن نعيش بقليل حلم وكثير مودة ونعوض زمناً أغبر بزمن قابل للحياة؟.
فمن حقنا أن نعيش على مساحة وجودنا كما نريد، ومن حقنا أن نتمنى وطناً خالياً من الكراهية والإثم, ومن حقنا أن نخرج من وحل اليومي الذي يتسابق والفقر والخوف والجهل علينا بتفاني أهل هذه البلاد وغياب العقلاء الذين نحتاجهم في أدق مرحلة وأكثرها ضرورة إليهم ليكونوا في مستوى الحب يقدمون ما يستحق أن يكون جميلاً لنا, فلقد ضاق بنا الحال وملامح القادم خفتت حتى أوشكت أن تنعدم, وحيئذٍ لاشيء يمكنه يسترد عافيتنا وحبنا ونومنا الهنيء وقد صار الوطن نهب أطماع المتربعين على مقاعد السياسة المستوردة من هنا وهناك، وليست من قوة الانتماء والإصرار على العيش والإنجاز والانتصار.
لذلك نسأل: لم نحن نعيش كل هذا التداعي المخيف؟ ولَم نحن لا نقبل بما هو نبيل ونتجه لتزييف الحقائق والكيد للآخر ومحاولة إلغائه؟, لقد طال ليلنا ونحن نرتجى مواطنة متساوية وشراكة وانتماء ونظاماً وقانوناً وعدالة ومساواة وحرية ومضغنا هذه الشعارات حتى مليناها وملتنا وصارت لا تعني غير النقيض منها, فما المتبقي بعد كل هذا المؤلم إنسانياً ولم نحن ننتظر الآخر الأورو أميركي يصيغ وجودنا، ويمنحنا طمأنينة بكثير من الضغوط لتنفيذ المتفق عليه وممارسة الوصاية على وطن رضي أهله أن يهون عليهم ويبقى في مهب التمزق والضياع والرجاء لمنقذ من خارج حدودنا فيما نحن نسخر منا، نلعب بما فينا من قدرات وإمكانيات ونهدرها ،ونبقى على أمل يتحقق من مجيء الفرنجة ليحددوا بالضبط ما الذي يجب ولايجب، وكيف ننتقل من ربقة المعاش إلى مستوى أفضل وأي عمى وقعنا فيه حتى بتنا لا نرانا ،ولا نعرف ما نريد ولا نلتف جميعنا في مواجهة قوى البغي التي وضعت وطناً في حالة تخبط؟.
لقد تعبنا نداء لأصحاب الضمائر الحية وصرنا نعيش القهر اليومي بترف عجيب .وذلك كله بفعل التوجس والكيد ووضع الأشياء في غير ما هي عليه بدءا من توزيع المناصب وانتهاء بمراوغة تنفيذ القانون واستبداله بأغنية (سوى نبنيها), وكيف نقدر على هذا البناء والغلط هو الشائع والخطأ هو الذي يحكمنا، ومنه ننطلق لحوار وفي الحوار الكثير من المخباء المرهق.
ومهما كان التفاؤل فلا يمكنه أن يحقق المرتجى وثمة باطل هو رأي العين، وتردي في الحياة وقلق في الشارع، وعصابة تسير في الاتجاه المعاكس من الوطني، وتبحث عن أزمة بطريقة أكثر ذكاء، ومن بوابة الوطنية هذه التي لاتجيء وصارت في الغيب ولا نعلم هل ستقع على الأرض أم ستبقى مجرد أغاني وشعارات وادعاء نصر وأشياء أخرى تعتمد على التفكير العصبوي الشللي الحزبي لتستبدل العائلة ونظام العائلة بما هو أفضع منها التعصب للحزب ومن الحزب لأفراده، ويغيب وطن، ويضيع إنسان, وترهق حياة، وتصير اليمن بلا وجهات سفر ولا محطات تتزود منها للانطلاق إلى الأفضل, وهو أمر لم يعد ممكناً مداراته أو القفز عليه, التغابي من قول صدق.
هذا ما يجب أن نفهمه فالوطن أرهقنا ترديه وأرهقناها دعاءات وتزوير حقائق، وبات الوطن ونحن على مفترق ضياع، ولن ننال البر في هكذا ممارسات لاتجيء بالخير وتزيد النفوس ضيقا, ولن نصل إلى مرافيء لحرية وصناعة النصر ونحن نغلب الهامشي على الضروري ونرضي رغبات قوى، ونحسب لحساب وجاهات وليس مواطنة، ونتمنى بعد كل هذا النهوض.. ومن أين القدرة على ذلك؟ ونحن ضد ذواتنا وحلمنا وضد الحياة ونستورد حلولاً ننهض بكل حنكة لاستقبال الوافد، فلا الوافد رأيناه كما نهوى ولا نحن رفنا الذي يجب وانطلقنا إليه دونما خوف أو وجل من أحد سوى الله وصدق لضمير ورغبة أن يكون الحق هو الأعلى على ما عداه .
محمد اللوزي
وطن لا يستحق كل هذا التآمر 1605