لا أخفي إعجابي بكارزمية وحصافة الدكتور/ ياسين سعيد نعمان, الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني, وكذا انشدادي إلى أطروحاته وقراءاته التحليلية لمجريات المشهد اليمني والأفكار ومشاريع الحلول التي يعرضها بين حين وآخر لتصحيح الاعتوارات التي يعاني منها هذا المشهد والتي وان اختلف المرء مع بعضها فلا يمكن له إلا أن يحترمها ويحترم صاحبها مهما تباين معه في وجهات النظر.. وربما أني قد تأثرت باللغة الهادئة التي ظل الدكتور ياسين محافظاً عليها حتى في نقده لخصومه السياسيين, إذ لم اعرف انه قد انجر ذات يوم إلى الهتافات الشتائمية التي قد تتأثر بها علاقاته مع المختلفين معه..
ولذلك أجدني أقول دائماً إن الدكتور ياسين بتلك الصفات قد نأى بنفسه عن صورة السياسي المغامر الذي يُقبل على اتخاذ المواقف بنفسيته المشوبة بنوع من الاضطراب من دون أن يضع أي اعتبار للعواقب الوخيمة التي قد تترتب على أي خطأ في التقدير.. إلا أني وفي المقابل وجدت من يعاتبني على مثل ذلك, لاعتقاد البعض من أن (مبدئية) الدكتور ياسين سعيد نعمان قد تأثرت مؤخراً بالهزات التي تعرض لها الحزب الاشتراكي اليمني في المحافظات الجنوبية والشرقية بعد انفجار حراك الاحتجاجات في هذه المحافظات ونشوء العديد من التيارات لقيادة هذا الحراك بمسميات مختلفة لم تتفق على شيء بمثل اتفاقها على إضعاف الحزب الاشتراكي واخفات دوره, بل إن هناك من يرى أن مثل هذه العوامل قد دفعت ببعض قيادات الحزب الاشتراكي إلى التماهي مع تيارات الحراك وتبني مواقفها بما فيها التيار المتشدد الذي ارتمى في أحضان أطراف خارجية من اجل الحصول على الدعم المالي والمعنوي لمشروعه الذي يسعى من خلاله إلى فصل جنوب اليمن عن شماله والدفع بهذا البلد إلى منزلق التشظي والتمزق إلى عدة جنوبات وعدة شمالات..
ومع أنني لا اتفق مع هذا الطرح الذي يحاكم الناس على نواياهم, فانه إذا كان الدكتور ياسين سعيد نعمان قد فضل في الأشهر الأخيرة عدم الصدام مع تيارات الحراك الجنوبي عبر وسائل الإعلام, فلأنه الذي يتحرك وفق رؤية سياسية ووطنية إذا ما أحسنا الظن سنجدها تصب في اتجاه تهيئة الأرضية المضطربة وتفويت الفرصة على أولئك الذين يزرعون الشقاق بين أبناء الوطن الواحد وإذكاء النعرات والأحقاد والضغائن فيما بينهم عن طريق استغلال بعض الأخطاء والممارسات والمظالم التي حدثت في المحافظات الجنوبية للانتقام من الوحدة وتكريس الانفصال الاجتماعي قبل الانفصال الجغرافي خاصة وهو الذي يعي تماماً أن استمرار مثل ذلك الشحن الجهوي والمناطقي قد يجر اليمن كلها من صعدة حتى المهرة إلى محرقة كارثية لا يحمد عقباها..
وأياً كانت نظرة البعض لهذه الشخصية السياسية المحترمة فان إحداً لا يستطيع أن يشكك في وحدوية الدكتور ياسين الذي يعرف تماماً متى يتحدث واللحظة التي يعلن فيها عن موقفه تجاه أية قضية من القضايا الوطنية وهو ما شعرت به وأنا اقرأ ما تناقلته وسائل الإعلام على لسانه يوم الثلاثاء الماضي والذي أشار فيه بكل وضوح إلى أن الانفصال لا يمكن أن يكون حلاً وان من يفكر بتحويل البلد إلى ساحة حرب هو غارق في الوهم.. وإذا ما توقفنا أمام مدلول هذا التصريح سنجد أن الرجل بكلمات معدودة قد نجح بضرب عصفورين بحجر واحد, فقد قلب الطاولة على من حاولوا الانتقاص من (مبدئيته) ووحدويته وفي ذات الوقت فانه الذي أوصل رسالته إلى أولئك الذين ركبوا موجة (الانتهازية) عبر المتاجرة بالقضية الجنوبية, ناصحاً إياهم بإعادة النظر في مواقفهم والانتباه إلى نتائج ما يقومون به وتحمل مسئولياتهم الوطنية والأخلاقية بشجاعة تسمح لهم بالاعتراف بخطأ الحسابات والتراجع عن عنادهم وتسخير طاقاتهم وجهودهم, ليس لتفتيت اليمن وإنما من اجل إعادة ترميم الشروخ التي أحاقت به وإيجاد المعالجات العادلة للقضية الجنوبية في إطار يمن موحد يقوم على الشراكة الوطنية والمواطنة المتساوية والعادلة الاجتماعية التي يتحقق فيها الإنصاف لجميع أبنائه.. وأنا هنا أراها فرصة مناسبة لتيارات الحراك الجنوبي التي ظلت ولازالت تربك الساحة لاستيعاب رسالة الدكتور ياسين سعيد نعمان والاعتراف بان الانفصال ليس حلاً, كما أنها فرصة مناسبة لهذه التيارات للخروج من حراك منفعل له أخطاؤه الخطيرة والحساسة إلى حراك مطلبي وواعٍ وناضج يعيد الأمور إلى نصابها والحقوق إلى أصحابها بمنطق الحق الذي لا يخالطه الباطل والرغبة في الارتزاق على حساب روحية العيش المشترك والمقامرة بدماء الناس وأرواحهم والعبث بأرزاقهم واستقرارهم وحاضرهم ومستقبلهم.
صحيح أن أخطاء كثيرة لا يمكن نكرانها قد حدثت في الجنوب, لكن مجمل هذه الأخطاء لا قيمة لها حينما تستخدم كذرائع أو كوسائل لتعبئة أبناء الجنوب ضد إخوانهم في الشمال وهي ما بدت مظاهرها البشعة جلية في الاعتداءات الأخيرة على المحلات التجارية المملوكة لبعض أبناء المحافظات الشمالية سواء في عدن أو حضرموت وكذا في العدوان البشع الذي تعرض له عدد من تلاميذ محافظة إب الذين كانوا في رحلة إلى محافظة عدن والذين هوجموا من بعض الموتورين بكل شراسة من دون ذنب اقترفوه, فقط لكونهم من أبناء إحدى المحافظات الشمالية.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الدولة مطالبة بسرعة معالجة كافة المظالم والحقوق والتعديات, ليس من اجل إخراس دعوات الانفصاليين وإنما لأن تلك المسائل هي قضايا عادلة ويتعين الإسراع في إيجاد الحلول لها وتسويتها تسوية عادلة.. أما الانفصاليون فإنهم لا يريدون الوحدة سواء حلت هذه المظالم أو لم تحل, بل إنهم الذين يعملون جاهدين على إعاقة أية معالجة لها باشتراطهم للحل عن طريق الانفصال.
علي ناجي الرعوي
مبدئية ياسين وانتهازية الحراك!! 2470