بينما كنت في طريقي إلى عدن لفت انتباهي عبارة مكتوبة على لوحة في إحدى نقاط التفتيش العسكرية تقول ( اليمن في قلوبنا), تبسمت وتعجبت من تلك العبارة التي ربما لم يعرف الكاتب معنى وحجم تلك الكلمات التي يتشدق بها أحياناً البعض دون دراية أو علم بمضامينها وبما تحمل بين جنباتها من دلالات ومعان بحجم ذلك الشيء الذي ينبض به قلب المحب..
وتساءلت في قرارة ذاتي: أحقيقة أن اليمن في قلوبهم كما خطت تلك الأنامل؟ وهل أمانها وأمنها واستقرارها يهمهم؟ وهل يعي جيداً من كتب تلك العبارات عمق المعنى الحقيقي لها؟ أم إنها كانت مجرد كلمات يخطها من يساير لحظات "الكيف" والشبق " الراعش" التي تصيب المرء لحظات استلامه لتلك "الريالات" الهزيلة التي باتت اليوم تتحكم حتى في مشاعر وحياة البعض؟.. ثم كيف يقولون تلك العبارات والواقع والأحداث تقول عكس كل ذلك الزيف والضلال والنفاق الذي تفرضه القوى على ضعاف النفوس حينما تتطلب مصالحها أن تكتب بدمها عن اليمن "وغلاوتها" وحبها العاصف في قلوبهم؟..
إذن كان الأجدر بمن كتبها أن يقول ( اليمن من أجل جيوبهم) وليس في قلوبهم لان تلك حقيقة يعرفها القاصي والداني مهما حاول النافذون إخفائها خلف "روتوشات" التجميل والتزييف لان لسان حال الوطن يقول هكذا وهكذا ينطق ولكن المعنيين لا يفقهون "حديثه" ولا يسمعون كلماته..
فثروات الوطن تنهب وتهذب إلى جيوب النافذين والمسئولين ومن بيدهم زمام الأمور يأكلون منها حد الشبع والتخمة, بينما البسطاء لا يجدون "كسرة" خبز يابسة لسد رمق " جوعهم, ويبنون من تلك الثروات القصور السامقة ويشترون السيارات الفارهة التي "يدهسون" بها العباد ويتعالون بها على الخلائق..
تدمرون وتدكون منازل البسطاء وتعيثون فساداً في مدنهم وقراهم, تنكلونهم, تشردونهم, تشتتونهم, تخلقون بينهم البغضاء والحقد والحسد, وتزرعون الغل والكره فيما بينهم البين بسبب سياساتكم التمييزية والعنصرية التي ترمي لأن تستميل فئة على أخرى من خلال شراء ذمم بعضهم وإغرائهم بالأموال والثروات, فيتناحرون فيما بينهم ويقتتلون فيما بينهم فيصبح كل حزب بما لديهم فرحون وأنتم تتفرجون وتترقبون ذلك المشهد تحت حجة ان اليمن في قلوبكم, أهكذا يكون حب الوطن بإشعال فتيل الاحتراب والاقتتال بين أبناءه؟!..
في الشوارع والساحات والمدن تسيل الدماء وتزهق الأرواح وتدهس الأجساد بالمصفحات وعربات الجيش والأمن أمام مراء ومسمع من أولئك الذين يقولون إن اليمن في قلوبهم ومع هذا لم يحركوا ساكناً تجاه تلك الجرائم البشعة التي ترتكب في حق الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل في حب وطنكم المزيف..
فبالله أي حب لهذا الوطن وأي عشق ذلك الذي تقولون واليمن ذاته يئن لوجع أبناءه ويتحسر لضياعهم وينوح لقلتهم وتنكيلهم وتشريدهم وتمزيقهم؟ أي حب وأنتم تبيعون وتشترون في هذا الوطن وفي شعبه المغلوب على أمره وتحت مسيمات باطلة ومصطلحات باطلة وكاذبة الوطن منها براء؟ أي حب تحملون للوطن في قلوبكم وأنتم لم تفكروا يوماً برقيه وازدهاره وأمنه وأمانه واستقراره ومصلحة أبناءه وصون دمائهم وحفظ كرامتهم والذود عنهم والتضحية من أجلهم وأجل وطنهم؟..
اليمن للأسف ليس في قلوبكم كما تتشدقون, بل في جيوبكم ومن أجل جيوبكم التي تسعى جاهدة لأن تمتلئ من خيرات وثروات الوطن الذي تقولون إنه في قلوبكم.
فهد علي البرشاء
اليمن.. ليس في قلوبكم!! 1354