كل مواطن في بلادنا تجده منشغلاً في نفسه.. الفقير مشغول في عجزه يبحث عن لقمة عيشٍ كريمة لتنعش حياته بقية عمره، والغنيُّ مشغول في أمواله كي يوفر المزيد من الأرباح.. والموظف مشغول في وظيفته المرموقة باحثاً على درجة الامتياز والتفوق .. والطالب مشغول في دراسته يبحث على مستقبل أجمل وأفضل..
وفي بلاد المهجر تجد المغتربين مشغولين بقضية وطنهم المتأزم ... هناك من يحزن بعمق ويبكي قلبه قبل عينيه على أرضه غاضباً من تلك الخلافات والمماحكات الحزبية التي يمارسها البعض ضد وطن مليء بالخيرات والثروات..
لاحظت ممن يحمل على عاتقه أمانة ثقيلة في حب وطنه في بلاد المهجر أكبر من الذين يقطنونه في الداخل, مما راق لي كثيراً عندما رأيت طاولة أحد المطاعم اليمنية الشعبية في الهجران تحولت في وجبة الظهيرة إلى حوار واسع ضمّ يمنيين ينتمون للتيار السياسي, كان أحدهم من الحراكيين الجنوبيين لم يعترف بالجمهورية اليمنية ومن المؤلم أن رخصة إقامته وجواز سفره الذي في حوزته باسم الجمهورية اليمنية, لكنه سرعان ما ينكر هذا الانتماء !!.. الثاني كان يحب الرئيس السابق أكثر من حبه لنفسه كما يدّعي ويدافع عنه وعن ذلك الظلم والفساد الذي خلّفه منذ عقود من الزمن, والآخر كان يتكلم باسم شباب الثورة المتواجدين في الساحات ثائراً من الدرجة الأولى..
حاول البعض أن يفرض كلامه بالقوة على الطرف الآخر, مما دفعهم الغضب للفوضى, فأدى هذا الطعن إلى اشتباكات خفيفة بالأيدي, حينها كان المتواجدون في هذا المكان الشعبي يتحدثون على قضيــة وطن بأكمله..
تدخّل أحدهم يحمل جنسية عربية وأستعرض بقوله: إن اليمن بلـد الحضارة العريقة واليمنيون جميعهم حضاريون مثقفون وواعيون يتواجدون في جميع دول العالم ببراعتهم وبقلوبهم الطيبة وإنّ من جعل اليمن هكذا هو الفساد المتواجد فيها وكذلك المماحكات السياسية والحزبية وعدم المساواة بين الناس ( يقصد الظلم ).. والانفلات الأمني الحاصل له أيضاً دورٌ بارز في قضية الوطن المغلوب على أمره..
وبدأ الحوار من جديد على الطاولة المستديرة حتى أدرك الجميع أن التسامح والتصالح وأيضاً العلاقة الأخوية بين الطرفين أقوى من المماحكات التي لا داعي لها وما أجمل تلك اللحظة عندما خرج الجميع مبتسمين ومتماسكين بالأيدي يتبادلون التحايا القلبية فيما بينهــــم..
إنه حوار بسيط في الخارج يتزامن مع حدث كبير في الداخل ينتظره اليمنيون لتشكيل قمة يمنية حديثة والتي ستخرج بنتائج إيجابية مفعمة بالحب والتسامح والصفاء.. عنوانها قلوبٌ يمانية تجتمع على طاولة واحـدة وشعارهـــا حُب الوطن يجمعنــا.
خليف بجاش الخليدي
طاولة الحوار 1465