الثامن عشر من مارس يوم لا ينسى من وجدان وذاكرة الشعب اليمنى، ففي هذا اليوم من عام 2011م حدثت مجزرة جمعة الكرامة التي كانت بمثابة المسار الأخير في نعش الاستبداد والهيمنة وحكم الفرد وبداية الانطلاق نحو بناء الدولة الحديثة..
رغم بشاعة هذه الجريمة غير أنها كشفت عظمة وقوة وصمود الشعب اليمني الذى لا يقهر, لقد أراد الحاكم الفرد ونظامه العائلي إخافة الثوار وإرعابهم حتى ينفضوا ويتركوا الساحات ويعودون إلى بيوتهم ويعود هو لممارسة طغيانه وفساده، غير أن الثوار كانوا عكس ما أراد، فقد استقبلوا الرصاص الحى بصدورهم العارية وواجهوا القناصة بإرادتهم القوية ونفوسهم الصافية المتطلعة إلى مستقبل أفضل..
لقد كان لذلك الصمود الاسطوري للثوار وإصرارهم على مواصلة الزخم الثوري رغم هول الجريمة وسقوط مئات الشهداء و الجرحى أن فتح الله عليهم بانضمام أعداد كبيرة من قادة الجيش المسئولين والمشايخ إلى ركب الثورة الشعبية المباركة، حتى صار الحاكم الفرد وحيداً يستجدي الداخل الخارج من أجل أن يبحثوا له عن مخرج يتمكن من خلاله أن ينفذ من عقاب الشعب, وكان له ما أراد للأسف الشديد..
لكن صمود وتضحيات جمعة الكرامة لم تذهب سدى، فها هو الشعب اليمنى اليوم يجنى ثمارها من خلال انعقاد مؤتمر الحوار التي شاءت الأقدار أن يكون انعقاده في نفس اليوم ليكون بمثابة إحياء لذكراها تحقيقاً للأهداف التي من أجلها قامت الثورة..
فالحوار الوطني ما هو إلا ثمرة من ثمار الثورة، فلولا الثورة وتضحيات الثوار وصمودهم في ميادين الحرية والتغيير ما كان اليمنيون سيصلون إلى هذا اليوم الذي يجتمعون بكل شرائحهم وتوجهاتهم ليتحاوروا على طاولة واحدة وكل واحد يقدم مشروعه ورؤيته إلى بناء الدولة التي ينشدها الجميع..
على المثبطين والمتشائمين الذين يشككون بالحوار الوطني بحجة الوفاء للدماء الشهداء أن يراجعوا حساباتهم، فالوفاء لشهداء الثورة يكون بتحقيق الأهداف التي ضحوا من أجلها وهي إسقاط حكم الفرد وإقامة دولة مدنية حديثة قائمة على العدالة والحرية والمساواة والتعايش، هذا لا يمكن أن يتحقق إلا بالحوار، وعلينا جميعاً أن نضع أيدينا في أيدي بعض من أجل إنجاح هذا الحوار، فليس أمامنا من طريق لحل مشاكلنا نحن اليمنيين إلا الحوار...
على المشاركين في مؤتمر الحوار أن يتقوا الله في أنفسهم ويعلموا أنهم أمام مسئولية تاريخية وأن مستقبل اليمن معلق على رقابهم.. الواجب الديني والأخلاقي الوطني يقتضي ترك كل المصالح الحزبية والمناطقية والطائفية والشخصية جانباً وإعلاء مصلحة اليمن " اليمن الموحد الذى يمتد من المهرة إلى صعدة ".. عليهم أن يتذكروا شهداء جمعة الكرامة الذين كانوا يتساقطون الواحد تلو الآخر ولسان حالهم يقول "روحي ودمى فداك يا وطني"..
لقد تجرد أولئك الشباب من إنتماءاتهم الحزبية والمناطقية والطائفية لم يعد في قلبهم إلا حب اليمن لذلك أكرمهم الله بالشهادة وجعلهم قناديل مضيئة تضيء دروب الأحرار السائرين في ركب الحرية.. فكنوا مثلهم يا أعضاء مؤتمر الحوار الوطني حتى تنالوا شرف تحقيق الهدف الذي ضحى من أجله هؤلاء الشهداء.
تيسير السامعى
إلى أعضاء مؤتمر الحوار كونوا كشهداء الكرامة 1392