عام كامل منذ أن تحررت أبين وعاد النازحون إليها بعد أن تشردوا في مشارق الأرض ومغاربها وذاقوا مرارة الحرمان في وطن يصنع الأزمات والنكبات ليعاقب شعبه ويحكم النافذون فيه قبضتهم على كل شيء.
عام منذ أن عاد أهالي أبين فرادى وجماعات ليحتضنوا ديارهم المدمرة ويعانقوا مدنهم البائسة, عادوا ليجدوها أثراً بعد عين لا حياة فيها ولا روح، حتى تلك الأيام التي عاشوها بين جنباتها لم يعد للذكرى فيها أدنى وجود بعد أن دمرت الحرب الضروس كل ماله صلة بها.
عاد النازحون، لأن الشوق والحنين إلى تربة أبين العطرة يهزهم كلما عانقت الشمس لحظات الأصيل, وكلما أطلت من البعيد أشعتها التي تتغلغل رويداً رويداً بين أشجارها وبساتينها، فيستيقظ أهلها على أصوات العصافير وهديل الحمام.
كان الشوق لملامسة أشجارها والتمرغ في تربتها وشم نسائم هوائها العليل المعطر بالفل والكاذي والياسمين هو الدافع لأن يحبو إليها أهلها مهما كانت المسافات ومهما بلغ حجم الدمار الذي خلفته تلك الحرب الشعواء والتي أريد بها تدمير أبين أرضاً وإنساناً.
الدولة التي سارعت لأن تصلح ما أفسدته آلة الحرب الهمجية المفتعلة سارعت بوعود بدت اليوم وبعد مرور عام أشبه بوعود صديقنا ( عرقوب ) الذي لم يف بوعد قط, وأصبحت تلك الوعود التي قطعتها الدولة الموقرة في تعويض النازحين وكل من تضرر من تلك الحرب الظالمة مجرد حلم يرقد في أروقة تلك (الوزارات) التي تحتضن ملفاتها المكدسة الكثير من الوعود والمشاريع الكاذبة.
ورغم ما نسمعه عن نية الدولة والجهود التي يقوم بها بعض القائمين في المحافظة على ترجمة تلك الوعود على أرض الواقع، إلا أن (من يسمع ليس كمن يرى) ولن نصدق أو نجزم بصدق الدولة والقائمين فيها على الوفاء بوعودهم إلا متى ما لمس المواطن ذلك الشيء وبدأ العمل الفعلي في إصلاح الأضرار وإعادة بناء البنية التحتية والحياة إلى أبين التي يبدو أن أهلها قد فهموا الدرس جيداً وأدركوا من كان السبب الرئيسي في تحويل محافظتهم إلى مسرح تمارس فيه الجرائم بكل أنواعها.
ولعل التساؤل الذي يفرض ذاته ويبحث عن إجابة شافية مفاده: هل آن الأوان لأن يطبب جرح أبين ويعالج وضعها ويعاد إليها ماء وجهها المهدور وكرامتها المسلوبة وبنائها المدمر والمنكوب؟ إلى متى سيظل حال أبين في هذا المشهد الكئيب الذي يبعث على الأسى والحزن والألم ويزيد من معاناة أبناء أبين الذين خسروا ديارهم وأعمالهم وكل ماله صلة بحياتهم ؟ ومتى سيحين الوقت لعودة إعمار وبناء أبين وتعويض أهلها الذين خسروا الغالي والنفيس جراء الحرب التي وضعت أوزارها قبيل عام من يومنا هذ؟!..
فهد علي البرشاء
أبين.. أما آن الأوان ؟ 1490