انطلقت الثورة، وكانت الشرارة الأولى من تعز، وتوقفت الثورة في الحقيقة والواقع وكانت أولى نقاط الإخماد هي تعز ذاتها!.. لا أدري ما الذي يحل بهذه المدينة، أهي (لعنة) قديمة، أم عقاب إلهي مستدام ، أم أن هناك أمراً دبر بليل، وكل همه ومناه أن يستمر (ليل) تعز حتى لا ترى ولا يرى أبناؤها كيف يكون شكل النهار!..
الليل يعقبه ليل، فقط في تعز، فالنهار في إجازة رسمية إلى أجل غير مسمى، وهاهو الليل يلف كل أرجاء هذه المدينة ، فبعد أن حل على جامعتها المتخمة بالجهل، ومستشفياتها التي تئن من المرض، ومرافقها الحكومية التي ترزح تحت وطأة الفساد، هاهو يصل إلى التربية والتعليم ليوقف العملية التعليمية باعتصام نقابة المعلمين، ولتستمر سلسلة المعاناة والألم والوجع في الدوران الذي لا يتوقف!.
تكاثرت الخيام، وتزايد المعتصمين، وارتفع عدد المطالبين بحقوقهم، وهذا ما جعل مخيلتي تذهب إلى قديم الزمن، فقد خُيل لي من كثرة الخيام التي أشاهدها تنتصب هنا وهناك أن تعز هذه ليست سوى (يثرب) بنسخة محسنة ومنقحة، ففي شارع جمال تقف بشموخ مضارب بني ربيعة، وهناك أمام مكتب التربية تنتصب مضارب بني تغلب، وجوارهم مضارب بني بكر، أما خزاعة فمضاربها تنتصب أمام المحافظة، وفي ظل كل هذا تستمر قيادة المحافظة بالسكوت الذي يبعث على الشك والارتياب!!.
تتكاثر المشاكل بشكل رهيب في هذه المحافظة، حيث تتكاثر بكل الطرق الممكنة، بل وتتعدى ذلك إلى الطرق اللا ممكنة، فقد ابتُكرت مشاكل ومصائب لم تُفصَّل إلى على مقاس هذه المدينة التي ظلموها بقولهم (حالمة)، فقد أصابها اليأس بعد الحُلم، وابيضت عيناها من الحزن الذي يتسبب به كثيرون، وأكثرهم أهلها أنفسهم!.
تعز تعاني من عقوق أبناءها، فقد كانت لهم نِعم الأم، لكنهم كانوا بئس الأبناء، أعطتهم كل ما تملك، فلم يعطوها حتى فتات الفتات، شملتهم بحنانها، فكافئوها بقسوتهم، أعطتهم الأمن والأمان، فأعطوها الارتعاش والخوف والوجل، وهبتهم نفسها فهي تعز العز، لكنهم بادلوها العز بالمذلة..
جامعة مغلقة منذ أكثر من شهرين، بينما طلابها ينتظرون قرارات المسئولين على أبواب (سرداب) القلق والخوف على المستقبل، وكأنهم ينتظرون (المهدي المنتظر)، لكن ذاك المهدي لم يهتدِ إلى طريق خروجه، أو أنه ضاع بين أدراج المهاترات والعناد و(القِمر) من هذا أو ذاك، والضياع الحقيقي هو ضياع الطالب المسكين!.
وضع أمني متدهور إلى حد ارتجاف الأمن من الخوف، رغم الحملات الأمنية الكبيرة التي تغزو الشوارع فقط لابتزاز المواطنين، أما سيارات المشائخ والمسئولين فتمضي دون رقيب أو عتيد، ومن فرط هذا التدهور تعرض مكتب أمن محافظة تعز إلى حريق التهم كل الملفات، ورغم تفسير الأمر بأنه ناتج عن تماس كهربائي إلا أني أشك في هذه الرواية خاصة بعد أن أمر مدير الأمن بتغيير مدير مكتبه على الفور، فهل هذا طبيعي، أم أن مدير الأمن كان يريد من مدير مكتبه أن يكون عازلاً للصواعق، ومانعاً للتماسات الكهربائية؟!.
خلاصة الأمر، تعز تضيع، رغم الابتسامات التي تزين محيا مسؤوليها، تعز تضيع، وضياعها تجده في عيون أبناءها الغلابى على اختلاف تصنيفاتهم، نقولها للمرة المليون: تعز تضيع!.
طارق فؤاد البنا
تعز تضيع! ... 2053