رغم المصاعب والمشكلات الكبيرة التي انتصبت أمام الرئيس عبدربه منصور هادي وهو يخوض غمار مهمته التاريخية التي تسلمها في الواحد والعشرين من فبراير 2012م والتي بدا معها يقف وسط خيارات معقده وشائكة ومفتوحة على كل الاحتمالات, رغم ذلك فقد ظل الرجل محافظاً على هدوئه واتزانه وحصافته حتى في تلك اللحظات التي كان يجد نفسه فيها بين طرفي رحى يتجاذبانه من هذا الاتجاه إلى ذاك.
ولعل هذا المسلك هو من جعل الرئيس هادي واثقاً من أن اليمن سيخرج من نفق الأزمات التي أثقلت كاهله, إلى مستطيل أمن ومستقر ودولة مدنية حديثة قادرة على النهوض وإنجاز التطور المستدام ومواكبة روح العصر وتحقيق آمال أبنائها في مختلف مناحي الحياة, مع أنه الذي لا ينفي أن الوضع مازال صعباً وأن الوقت يضيق أمام الاستحقاقات الواجب إنجازها في السنة الثانية من المرحلة الانتقالية التي ستنتهي في الواحد والعشرين من فبراير 2014م.
وأمام هذا المزيج من التفاؤل والحذر هل يمكن القول بأنه بعد القرارات الرئاسية بإعادة هيكلة القوات المسلحة والتي مثلت إحدى الاستحقاقات الهامة على طريق استكمال تنفيذ بنود المبادرة الخليجية وإليتها التنفيذية, قد دخلنا حقاً مرحلة بناء الدولة, أم أن هذه المقولة التي تحدث رنيناً مستمراً كل ما سمعناها ستبقى رهينة لما سيسفر عنه مؤتمر الحوار من توافقات حيال ما يتعلق بشكل الدولة ومنظومتها الدستورية والقانونية والسياسية والإصلاحات التي ينبغي أن تترافق مع هذا التحول وهو ما يثير مخاوف البعض الذين يرون أن المشهد داخل مؤتمر الحوار مازال يفتقر للدليل على أن الأطراف المشاركة في هذا الحوار جادة في طي صفحة الماضي والعمل معاً من اجل بناء اليمن الجديد خاصة وان الكثير من هذه الأطراف كانت جزءاً من الأزمات المتتالية التي مر بها اليمن وكانت سبباً في ما وصل إليه من ضعف وتشرذم سياسي وصراعات عبثية لم ينتج عنها سوى الكوارث والفقر والدماء.
وعليه فقد كان الرئيس هادي محقاً حينما سعى بكل جهد إلى معالجة ابرز عوامل الاحتقان التي يمكن أن تتخذ كذريعة لإفشال الحوار حيث جاءت قراراته الجريئة والشجاعة الصادرة يوم الأربعاء الماضي والتي تضمنت إعادة هيكلة الجيش والقوات المسلحة على أساس وطني ومهني لتفتح الطريق أمام تفرغه للقضايا المطروحة على طاولة الحوار.. ولذلك فان ما ينتظره الناس بعد تلك الخطوة الهامة بإعادة هيكلة الجيش, والتي حققت مطلباً سياسياً وشعبياً ضرورياً لبناء الدولة المدنية الحديثة, هو أن يتجه إلى الشعب لتعميق الحوار معه عبر اطلاعه تفصيلاً إلى أين سيتجه اليمن؟ وماهي المحددات التي سيحتكم إليها المتحاورون في إعادة صياغة الدولة اليمنية؟ وماهي الضمانات لاتفاق فرقاء الحوار وعدم اختلافهم على المخارج والحلول الآمنة للقضايا المطروحة عليهم؟ وماهي البدائل إذا ما تمسك ممثلو المحافظات الجنوبية الذين يشكلون النسبة الأعلى في قوام مؤتمر الحوار بشروطهم التعجيزية التي تخير اليمنيين بين دولة اتحادية من شطرين أو الانفصال؟ وتحديداً بعد أن تحولت القضية الجنوبية إلى محطة لتصفية الحسابات بين القيادات الجنوبية المتصارعة تاريخياً والتي لاشك وأن بعض منها أصبح يتحرك في نطاق بعض المشاريع الخارجية؟!.
وفي هذه الحالة فمن حق اليمنيين على الرئيس/ عبدربه منصور هادي, الذي اتفقوا على اختياره لقيادة المرحلة الانتقالية, أن يكونوا على بينة تجاه ما يتعلق برؤيته وتصوراته لمشروع المستقبل, باعتبار أن مثل هذه الرؤية هي من يعلقون عليها الأمل في أن تصبح الموجه الحقيقي الذي تتوافق عليه كافة القوى والتيارات داخل مؤتمر الحوار, لكونه الشخص الوحيد المقبول من كافة الأطراف وكذا الشخصية الذي توافق حولها الجميع لتجنيب اليمن شبح التفكك والتشظي والتمزق.. ويكتسب هذا الطرح وجاهتهُ من غياب روح الوحدة داخل مؤتمر الحوار وسيادة المفاهيم المتضاربة والمتصادمة إزاء قضايا كثيرة لا تحتمل اللجوء إلى مواقف متطرفة على شاكلة الغلو في طرح موضوع الانفصال والذي ينذر بإخراج قاطرة البلاد من قضبانها.
ولأنه لا مجلس الأمن ولا مجلس التعاون الخليجي ولا المجتمع الدولي بأكمله يمكن لهم القيام بدلاً عن اليمنيين ببناء هذا الوطن الذي ينبغي على أبنائه الشروع في تشييده حجراً حجراً وطوبة طوبة, فليس أمامهم سوى السير وراء من اتفقوا على أن يكون هو الرائد الذي لا يكذب أهله.. والرائد عند قدماء العرب هو الشخص الذي يسبق مجتمعه ببعد نظره وسعة أفقه ورجاحة عقله, ليدله على الخير ويجنبه الانزلاق نحو التهلكة.. وليس في هذا القول شيء من النفاق أو المزايدة السياسية, بل هو دعوة للإنصات لما قد يأتي من الرجل الذي وثقنا بحكمته وصدق نواياه وقدرته على قيادة سفينة اليمن إلى بر الأمان وانه الذي لن يخذلنا حينما تصبح الكرة في ملعبه.
علي ناجي الرعوي
الكرة في ملعب الرئيس هادي!! 3401