أصدقكم القول بأن قرارات الرئيس هادي بشأن هيكلة القوة وإعادة انتشارها وتموضعها وتحديد مكوناتها ومهامها وقياداتها وفقاً وأسس ومعايير وطنية وعلمية وعقائدية جديدة؛ كانت لشخص مثلي بمثابة أولى بشارة الغيث الهاطل من السماء، ولمساحة مجدبة قاحلة أضناها العطش وأخذ منها اليأس والقنوط سنوات عجاف جعلت ناسها أقرب للرحيل منه للبقاء في انتظار فيض الودق كيما تسترد فيه حياة أخرى بعد ممات..
نعم خطوة في مضمار ألف ميل ينبغي اجتيازه وفي زمن استثنائي وقياسي.
ومع كون قرارات الهيكلة للجيش وتعيين قادته ليس إلا خطوة أولى في مسار طويل وشائك ومعقد يستلزمه أكثر من مجرد تعيين قائد عسكري؛ لكنني وبرغم ذلك أحسست بالتفاؤل والأمل، كما وزادت ثقتي بالرئيس وبقدرته على قيادة البلاد والعباد وفي الوصول بسفينة هذا الوطن المنهك الموشك على الغرق إلى بر الأمان والسلامة.
أحد أصدقائي مازحني قائلاً: لمجرد تعيين أربعة أو خمسة ضباط من الضالع وردفان صرت متحمساً ومتفائلاً! قلت له ليت المسألة تتعلق هنا بكم ضابط من الجنوب أو الشمال، أو بماهية العائد والنفع المادي والوظيفي؟ لكنها أكبر وأوسع من هكذا منطق براجماتي جهوي مناطقي، فمن وجهة نظري المسألة جوهرها يكمن بمعالجة وضعية مختلة أحدثتها حرب صيف 94م، وعندما نشيد بالقرارات؛ فلأننا ندرك بجدواها نفسياً ومعنوياً ووطنياً ومجتمعياً، فهذه الحرب أدت بدورها إلى تهميش وإقصاء وضيم طال أمده، وآن له أن يزول وينتهي على يدي الرئاسة والحكومة وعلى مدى المرحلة الانتقالية، فإذا كنا بحق عازمين على طي نصف قرن من الصراع على السلطة، ومن الإقصاء والنفي والهيمنة الأحادية والمناطقية والقبلية والجهوية والطائفية؛ فإن قرارات الرئيس أظنها فاتحة ومستهل لهذا العهد الجديد الذي بدأت عجلته بالدوران..
ولا أعتقد أنها ستتوقف عند هيكلة جيش أو أمن؛ بل يجب أن تمضي وتذهب لمسافة أبعد وأشمل، بحيث يتبع هذه الإجراءات المتخذة قرارات فعلية ملموسة وفي مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والإعلامية والدستورية والقضائية والخدمية والحقوقية والمؤسسية وغيرها من الوظائف والمهام والاختصاصات التي باتت معطلة وواقفة ومنهكة للبلد وأهله، فكثير من المسئوليات والواجبات والممارسات والمظالم والمطالبات المجتمعية صارت بحاجة قصوى لقرارات حكومية ورئاسية عاجلة وسريعة وقبل ذا وذاك عملية ومتسقة مع الواقع الثوري ومتطلباته الذاتية المتساوقة مع المتغير الموضوعي الذي يتطلع فيه المجتمع اليمني إلى إعادة الاعتبار للدولة وللتوحد وللشراكة والمواطنة وسواها من المفاهيم والتعاريف والمهام والواجبات التي ينبغي تعريفها وتحديدها وفقاً وإيقاع الحاضر الجديد المنبثق من نضال طويل ومرير خلاصته ثورة الشباب وما حققته من نتائج إيجابية منحازة للتغيير الجذري والشامل.
بكل تأكيد قرارات الرئاسة أعتبرها مهمة وضرورية وفي لحظة حرجة واستثنائية ينتظر منها اليمنيون أكثر وأكبر من هذه القرارات القاضية بهيكلة القوة المسلحة، فمؤتمر الحوار الوطني كان بمسيس الحاجة لمثل هذه القرارات الجريئة والشجاعة والتي أجزم أنها لن تقتصر على المؤسستين العسكرية والأمنية، وإنما ستلحقها قرارات رئاسية وعلى كافة المستويات الأخرى في الدولة.
أظن الرئيس/عبد ربه معني بتمثل أحلام وتطلعات هذا الكفاح المجترح في معركة الدولة اليمنية الديمقراطية المستقرة والمزدهرة، وأحسبه كذلك حين خاطب القيادات العسكرية قائلاً: (ما من وحدة وطنية قائمة في أي بلد في العالم إلا وهذه الوحدة الوطنية متجسدة في المؤسستين العسكرية والأمنية).. كما وأعد كلمته في محفل آخر بمثابة الاعتذار لشباب الثورة ولأجيال ثورتي سبتمبر وأكتوبر إذ قال: (خمسون عاماً في صراع دائم على السلطة، وآن الأوان لأن نحقق لهذا الجيل وللأجيال القادمة ما عجز عن إنجازه جيل سبتمبر وأكتوبر، هذا التغيير المنشود لن يكون سوى بالشباب وبهم – أيضاً - وبدعمنا ومؤازرتنا لهم).
"يجب على الحكومة اليمنية اتخاذ إجراءات فورية لبناء الثقة في الجنوب لمعالجة المظالم المزمنة للجنوبيين المتعلقة بالمصادرة غير القانونية أو غير المشروعة للممتلكات والتسريح القسري من الجيش والخدمة المدنية." هذه الفقرة مقتبسة من كلمة جمال بن عمر، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، والتي كان قد ألقاها أمام أعضاء مجلس الأمن وفي جلسة عقدت مؤخراً وكرست لمناقشة حالة التسوية السياسية القائمة في اليمن تحت إشراف ورعاية المنظمة الدولية.
وقرارات الرئيس أعتبرها بداية موفقة أصابت عصفورين بحجر واحد، مثلما يقال، فمن جهة كان لهذه القرارات أن أعادت الاعتبار لمؤسسة الجيش ووضعها تحت سيطرة الدولة وسلطانها الذي مهما بدا للبعض ضعيفاً وهشاً اليوم، لكنه وبمضي الوقت سيسترد عافيته ويقوى.. كما ومن ناحية أخرى كان لقرارات الرئاسة أن أعادت الاعتبار لقيادات عسكرية جنوبية مسرحة قسراً أو ظلت على هامش.. خلاصة الموضوع أعتقد أن الرئاسة قد نجحت في أول امتحان وعليها أن لا تتوقف عند هذه الخطوة العائدة بشراكة وقوة وفي آن واحد.
محمد علي محسن
خطوة وحتماً ستلحقها خطوات!! 1981