العديد من الجهات الرسمية إبان الثورة الشبابية السلمية عمدت إلى التوظيف عن طريق التعاقد دونما الخضوع لمعايير الاستحقاق الوظيفي وإنما تم بناءً على مجاملات وعلاقات أسرية وكسب ولاء وإرضاء...الخ, الأمر الذي نجم عنه تكديس كبير من الموظفين الغير مهنيين أو المتخصصين مما أوجد بطالة مقنعة غير عادية على حساب قدرات وكفاءات لم تنل حقها ولا حظها من فرص العمل فبرز السلبي على حساب الإيجابي، والمستغرب له أن نجد الذين حصلوا على فرص عمل في غير تخصصهم يمارسون اليوم - في العديد من الجهات- تكتلات تعزز مواقعهم وتفرض نمطاً من السلبي قاهراً وتحوله إلى حق من حقوقها أو اللجوء إلى الفوضى والاعتصامات في ظل سلبية الإدارة وخضوعها للابتزاز سيما الإدارة الضعيفة الرخوة التي لا ترغب في صنع قرار ولا تعير الإنتاجية معنى وتبحث عن راحة بال وهدوء والعمل كيفما اتفق، مما شجع دخلاء في المهنة على البروز وأدى إلى الغياب شبه التام لفرص التكافؤ وندرة الإنتاج، وتحول جزء كبير من الشباب إلى الركونية من خلال التوظيف والعطالة الذهنية. وبالتالي تقاعس عن تحسين مستواه المعرفي والعلمي..
ولعل بروز هذه الظاهرة وتفاقمها واللعب على الفوضى وفرض الأمر الواقع سيكون له مردود غير عادي في المجال المهني أياً كان وسنجد فرص العمل وقد أغلقت في وجه من هم جديرون بها على حساب ثلة منتفعين وهو أمر مالم تجري مراجعة شاملة له دونما أهواء ورغبات، فإن المستقبل سيكون تخلفاً حقيقياً ونجد الإبداع وقد أصبح غريباً وغير مهيأ له بتراكم الأخطاء والكثرة من البطالة التي هي عاجزة عن الأداء، مهما أتيحت لها فرص الإبداع والإنتاجية ومهما نالت حظها في فرص الظهور. هكذا نرى أن تحديات القادم ستكون أكبر من مواجهتها مالم تسرع الجهات المختصة في دراسة هذه الظاهرة وتعمل على إيجاد حلول حقيقية تجنب البلاد الخسائر الهائلة بفعل التزامات على قوى ليست عاملة ولا منتجة ولا مبدعة، وإنما هي عبء كبير تحول مؤسسات الدولة إلى دار رعاية اجتماعية كبيرة وإلى دولة رعوية من طراز أول، وهو ما يعكس الفوضى القادمة ويترجمها إلى برنامج عمل من لدى هذه القوى التي تريد أن تنال حقوقا ليس بالمثابرة والجهد والإبداع وإنما من خلال الفوضى واللجوء إلى سلوكيات تصل إلى البلطجة, كما نرى في بعض مرافق الدولة, بما يخلق فجوة كبيرة بين القوى القادرة على الإبداع ولا تجد موقعاً لها وبين المرفق ذاته الذي يفتقر إلى إمكانية تعزيز وجوده وتواجده والعمل من أجل المستقبل. ويزيد الطين بلة أن نجد ذات الكوادر المعطلة لحركة البناء من ذوي المؤهلات البسيطة في الوقت الذي يغيب المؤهل العالي والأحق بالعمل وفرص التكافؤ وإطلاق الطاقات.. وإذا كيف يتيسر لنا بناء الدولة المدنية الحديثة ومرجعية التوظيف هي المجاملة والنفاق والأسرية.؟ وكيف يمكن أن نحقق قدراً من البناء الصحيح والأجدر بالمواقع في مهم البناء والعمل هم خارج سور المرفق؟. هذه أسئلة تفرضها الوقائع التي نراها بين أيدينا وتدفعنا إلى أهمية الكشف عنها وأبعادها وتداعياتها قبل أن نجد الوطن أمام قضية حقوق المبعدين قسرا من أعمال هم جديرون بها ويستحقونها وتبوأها بدلاً عنهم من ليسوا لها أهلاً..
هكذا نحن في إشارتنا نخشى على القادم أن يتحول إلى عبء يغيب فيه الإنتاج وتجد الدولة نفسها أمام التزامات لا تعود على الوطن بنفع سوى مزيد من تكريس البطالة والاتكالية وإقصاء القادرين على العطاء حين يمسهم الضر تحت عنوان ((لا توجد وظائف شاغرة)) ولأن الذي سبق إليها الغير مؤهل والغير قادر على العطاء ومن وجد من يدعمه ولديه كرت وساطة.هنا فقط نريد الجهات المختصة الوقوف على هذه الظاهرة ومعالجتها بروح المسؤولية، على الأقل بإعادة تأهيل من ليسوا مؤهلين وإكسابهم خبرة وتجارب من سبقوهم، أو إلحاقهم بتوظيف يتناسب مع مؤهلاتهم وقدراتهم, لكن أن نجد في العمل الإبداعي موظفين لا علاقة لهم بالإبداع وليسوا منه في شيء ويمارسون تكتلاً أهوج للدفاع عن مكاسب ليست لهم إلا أنهم حصلوا عليها بطرق الوساطة, فهذا أمر أضراره كبيرة وتداعياته على المستقبل أكبر مما نتصور.حيث سنجد أنفسنا ذات يوم في مرافق مشلولة تماماً وعبء حقيقي على الدولة. هذا ما يتبادر إلى الذهن ونحن نرى قوى غير مؤهلة هي اليوم من الوفرة في العديد من المرافق بحيث تصاب من دهشة أن تكون مدخلات الثورة هي هكذا من الغير مؤهل وقادر على العطاء. وإذا تصحيح المعوج مهم قبل تفاقمه ووضع حد لمن ليسوا قادرين على العطاء وتمكينهم العمل المناسب لقدراتهم يجنب البلاد خسائر فادحة وضغوطات قادمة ومشاكل لا حصر لها ستكون هي القنبلة الموقوتة حين تبرز قوى عاملة ولها كامل استحقاقها في العمل تطالب بالعدالة والمساواة, فكيف يكون الرد عليها؟ وماهي طريقة معالجتها حين تجد نفسها أمام غير المستحق مغبونة في كامل حقوقها؟, الواقع الأمر محير وتفاقم هذا الوضع يزداد وما هو في غير محله وليس أهلا يبرز اليوم أكثر من أي وقت مضى وحينئذ عن أي تكافؤ فرص نتحدث؟ وعن أي دولة مدنية حديثة نطلق الشعار؟ وكيف يمكننا بناء وطن بقدرات مشلولة وتعيق الإنتاجية؟؟
محمد اللوزي
الوظيفة والمهنية 1417