إن المشكلة الأساسية والجوهرية في العالم العربي ليست في الإطاحة بالأنظمة العسكرية المستبدة العائلية، وكذلك لا يكمن الحل في تغيير الحكام المستبدين والحكومات العربية، وإن ما نحتاجه أساساً بعد ثورة الشعوب التي أزاحت أنظمة الاستبداد هو: ثورة تغييرية للمناهج التعليمية ومناهج التفكير, لأن الأنظمة السياسية هي في النهاية إفراز عفوي لثقافات الشعوب ولأساليب تفكيرها، وأن عدم الانتباه والوقوف عند هذه النقطة الهامة هو الذي أوقع حركات التغيير السياسي والاجتماعي القومية والإسلامية وغيرها، وكذلك أوقعت الشعوب في مطبات لا نهاية لها..
ومن هنا ندرك عمق المعنى في الآية القرآنية، ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، وليس المعنى حتى يغيروا حكامهم، بل حتى يغيروا ما بنفوسهم, فلا بد من تغيير ما بالأمة من جهل وأمية سياسية وأمية فكرية وأمية إدارية.
إن على قادة الأحزاب والجماعات ومنظمات المجتمع المدني وعلى رجال التغيير أن يكرسوا الجهد لخلق وسط فكري حضاري جديد في العالم العربي عموماً وفي يمننا خصوصاً، وأن يرفعوا من قيمة التخطيط والتفكير والفكر والمفكرين والحوار والمتحاورين وثقافة السلم والمسالمين والثبات عليه حتى والاستشهاد في سبيله، وهذا هو الذي سيفتح الطريق لحل مشكلة فيروسات وجراثيم التعصب والعنف الموجودة في نفوسنا التي الهمها ربها فجورها وتقواها والموجودة في تراثنا, لأن وجود هذه البذرة الخبيثة في عالم أفكارنا يقود في النهاية إلى النزاع والصراع المادي, لأن الاستعداد للحروب والعنف والإرهاب هو استعداد فكري وفهم خاطئ للدين وهذا كله ينشأ أولاً في عقول الناس قبل وزارات الدفاع والثكنات العسكرية.
إننا بالحوار نفتح الطريق إلى تدريب الخصم على التوبة، والرجوع إلى صوابه، وحين يدرك أن ما نريد منه ليس إلغاءه وتصفيته, بل نفهمه بأننا مستعدون لأن نموت من أجل إحياء ضميره المريض بالأفكار المغشوشة والمعلبة والمتسرطنة.. إن هذا هو الأسلوب الذي جاء به محمد رسول الله والذي أحيا به الأمة برمتها، إن هذا الأسلوب هو الذي يفتح أبواب التوافق والتعايش ويمنع النزاعات، ويعالج الصراعات قال تعالي (ولمن صبر وغفر فإن ذلك لمن عزم الأمور) وخاطب كل قائد بقوله: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر).
محمد سيف عبدالله العدينى
التعاون لنزع أسباب حروب التعصب 1383