بقرارات الرئيس هادي التي أنهت انقسام الجيش وأزالت المليشيات العائلية صار الطريق مهيأً للسير نحو الدولة المدنية الحديثة, لكنه ليس مفروشاً بالورود كما يعتقد البعص, بل هو شاق متعب وفيه الكثير من العقبات والمطبات والحفر ويحتاج إلى أصحاب عزائم قوية وإرادات صلبة وعقول ناضجة وقلوب صافية ونفوس زكية خالية من كل الشوائب وليس فيها إلا حب الوطن.
أهم عقبة تعوق عجلة التغيير في الوقت الحالي هي تركة النظام البائد من أصحاب المصالح والنفوذ الذين ارتبطت مصالحهم ارتباطاً وثيقاً مع رموز النظام السابق, لدرجة أن العلاقة بينهم كانت مصيرية, فبدعمهم ومساندتهم تمكن النظام من الاستمرار والبقاء فترة أطول تجاوزت الثلاثين عاماً مقابل حصولهم على امتيازات ومصالح على حساب الوطن والمواطن, لدرجة أن البعض منهم كانوا بمثابة حكام في مناطق نفودهم لا أحد يستطيع أن يقف أمامهم.. وبعضهم صار من كبار رجال الأموال بفترة قياسية.. هذه حقيقة يعلمها الجميع لا داعي إلى الخوض في تفاصليها, لأنها مشاهدة بشكل يومي.
الثورة الشعبية التي تمخض عنها التوقيع علي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني وانتخاب الرئيس/ عبد ربه منصور هادي كانت بمثابة بداية النهاية للنظام العائلي وانتكاسة حقيقية لأصحاب المصالح والنفوذ المرتبطة بهذا النظام.. وهذا ما جعلهم رغم اختلاف توجهاتهم وتياراتهم يوحدون صفوفهم ويجمعون شتاتهم والدخول في معركة مصيرية من اجل البقاء تهدف إلى إفشال حكومة الوفاق وإعاقة التغيير وإدخال الوطن في مشاكل وأزمات, ما تتعرض له أنابيب النفط وأبراح الكهرباء من تخريب ما هو إلا أحد فصول هذه المعركة.. وما تشهده محافظة تعز من انفلات أمني وتدنٍ في الخدمات وإعاقة للتغيير هو أيضاً جزء من هذه المعركة.
إن المتمصلحين والفاسدين من المتنفذين والتجار الذين كانوا يظنون أن البلاد صارت ملكاً لهم بسبب قربهم من النظام البائد, لا يمكن أن يستسلموا للتغيير والثورة بسهولة, لأن القضية بالنسبة لهم قضية مصيرية, فانتصار الثورة وتحقيق أهدافها يعني نهايتهم وزوال مصالحهم ونفوذهم.. لذلك أتمنى من قلبي من جميع إخواني الثوار وكل المتطلعين إلى الدولة المدنية الحديثة أن ينتبهوا إلى هذه النقطة ويركزوا عليها ولا ينشغلوا بأمور أخرى, فالمعركة سوف تشتد في الأيام القادمة لاسيما بعد إنهاء انقسام الجيش الذى كان يمثل لهم بريق أمل بالعودة من جديد, فقطع هذا الأمل بقرارات هادي الأخيرة ولم يعد أمامهم سوى التستر بشعارات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب..
البعض من هؤلاء المتمصلحين لبس عباءة الثورة من اجل تمزيق الثوار وإدخالهم في معارك جانبية بعيدة عن الهدف الرئيسي الذي قامت من أجله الثورة وهو بناء الدولة التي تحقق الحرية والمساواة والعدالة والتعايش وتكفل الحقوق والحريات وتحترم التعددية وتلتزم بالتداول السلمي للسلطة وتعمل على سيادة القانون وتحقيق المواطنة المتساوية..
تعز هي محور ارتكاز هذه المعركة لأنها كانت نقطة انطلاق الثورة والمحافظة الأكثر قابلية للتمدن و الاستقرار بحكم خلفيتها التاريخية كونها منطقة إشعاع حضاري وتنويري.. لقد تم إعاقة التغيير في هذه المحافظة وتغييب مبدأ الشراكة الوطنية وتهميش القوى الفاعلة والشخصيات الوطنية فيها وإفشال مؤتمر الحوار المحلي الذي كان يؤمل فيه الخروج برؤية واضحة لحل مشاكل المحافظة.
طوال عام كامل وأبناء تعز يتطلعون إلى استقرار أوضاعهم وتحسن مدينتهم لاسيما بعد تعيين محافظ منهم عقدوا عليه آمالهم بما عرفوا فيه من صفات أهمها انتماءاته إلى أسرة تجاريه تحظى باحترام وتقدير كل أبناء الوطن, لكن للأسف خابت الآمال وضاعة الأمنيات وعادت حليمة لعادتها القديمة, كل ذلك بسبب أصحاب المصالح والنفوذ الذين يريدون الحفاظ على مصالحهم حتى لو أدى ذلك إلى تدمير الوطن.
تيسير السامعى
أصحاب المصالح 1499