لم يكن أحد يتوقع أن يتجاوز اليمن معضلة الانقسام في مؤسسة الجيش وأن يعاد هيكلة جميع وحدات القوات المسلحة في إطار تنظيم جديد بتلك الصورة السلمية التي جرت في الأسبوع الماضي على الرغم من أنه كان هناك العديد من المؤشرات والوقائع الدالة على أن الاقتراب من هذه المعضلة يعني الاقتراب من ساعة الصفر وانطلاق شرارة المواجهات الدامية بين تشكيلات هذا الجيش الذي انقسم عقب اندلاع ثورة الاحتجاجات في اليمن مطلع عام 2011م إلى قطبين يتصارعان على تسيد الساحات.
ولم يكن أحد يتوقع أيضاً أن يفاجئ الرئيس عبدربه منصور هادي, الأغلبية الساحقة من اليمنيين الذين توافقوا على اختياره رئيساً لهم في الواحد والعشرين من فبراير 2012م بمثل هذه الخطوة التي مثلت لهم خبراً ساراً ومفرحاً أزال عنهم كابوساً ظل يؤرقهم وينغص حياتهم .. والأهم من كل ذلك فإن الرئيس هادي باتخاذه القرارات الخاصة بإعادة هيكلة الجيش يكون قد تخطى أبرز أسباب الاحتقان وقام بتحييد مراكز القوى التي كانت تستغل انقسام الجيش من أجل الإمساك بالأدوات الضاغطة التي تسمح لها بابتزاز الدولة والإرادات الخارجية المؤثرة في مجرى الصراع في اليمن.
لقد استوقفتني بعض الأفكار التي طرحها الرئيس هادي في ثنايا حديثه لقناة روسيا اليوم فقد أشار إلى أن اليمن بحاجة إلى تغيير ثقافة الصراع والإقصاء التي لزمته خلال العقود الخمسة الماضية بثقافة البناء والعمل الجماعي حتى يتسنى له إنجاز عملية التحول والتغيير وتشييد دعائم اليمن الجديد ودولة اليمنية الحديثة والعبور إلى المستقبل بثقة واقتدر.. وأعتقد أن في هذه الكلمات المفتاح الحقيقي لبداية صحيحة تنتشل اليمن من بؤرة الفشل والعجز والتخلف.. ولكن فإنما يتعين علينا قبل أن نعلن أن اليمن قد خطى الخطوة الأولى في الطريق الصحيح هو أن نتذكر أن قرار إعادة هيكلة الجيش لن يحل وحده أزمات ومشكلات اليمن المستعصية ولن يوقف معاناة الفقر والفاقة والبطالة التي تزداد استفحالاً في هذا البلد.
كما أن هذا القرار لا يكفي وحده لإنهاء الانفلات الأمني وفوضى انتشار السلاح والفساد الإداري والمالي المستشري في مؤسسات الدولة والقطاعات الاقتصادية.. كما أنه لا يمكن الحديث عن الدولة اليمنية الحديثة من دون تشخيص للعلل والأمراض التي كانت وراء ما نواجهه اليوم من مشكلات وأزمات فتشخيص الداء هو الطريق إلى التعافي من الأوجاع التي أرهقت الجسد اليمني خلال العقود الماضية.
إنما يدعونا إلى استحضار هذا الكلام هو انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الذي أظهرت نقاشاته خلال الأيام الماضية أن محنتنا الكبرى في هذا البلد تكمن في تشبث النخب السياسية والاجتماعية بعقلياتها وأدواتها وتطلعاتها القديمة وفي إصرار هذه النخب على التمسك بدورها التقليدي ورفضها لأية محاولة تؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة والتأثير على المعادلات والتوازنات القائمة.. وبفعل هذا الواقع نجد أن أغلب المشاركين في مؤتمر الحوار ظل يحوم بين الوحدة والانفصال والفيدرالية والحكم المحلي واسع الصلاحية.. والتقسيم الأكثر نعومة والوحدة الجاذبة متجاهلين بقصد أو بدون قصد العوامل والأسباب التي أدت إلى هذه الانتكاسة الخطيرة.
ورغم المصاعب والتحديات المعقدة التي تواجهه اليمن في الوقت الراهن فما يحمد للرئيس/ عبدربه منصور هادي أنه الذي يمتلك الشجاعة التي جعلته يضع يده على قضية المستقبل وأن يقف في مساندة المشروع الوطني الكبير الذي تتضاءل أمامه كافة المشاريع الصغيرة والطموحات الذاتية والانتهازية من دون أن يأبه بالطوب التي قد يحذف بها.
علي ناجي الرعوي
اليمن والطريق إلى المستقبل 2381