لا ننكر أنه خلال العشرين السنة الماضية منذ الإعلان عن تبني النظام الديمقراطي لم يحدث أي تطور للعملية الديمقراطية.. رغم أن الفترة التي تلت إعلان الديمقراطية شهدت قدراً من الحراك السياسي.. ثم تراجع ذلك الحراك السياسي عقب حرب صيف 94 لصالح نظام غير ديمقراطي كان من مصلحته الإبقاء على الهياكل الشكلية للنظام الديمقراطي.. فيما تم إفراغها من أي محتوى يذكر وتم الاستحواذ على كامل أجهزة الدولة وتسخيرها لصالح نظام صالح, فكانت انتخابات 97م البرلمانية هي لحظة تنفيذ برنامج الاستحواذ على السلطة بالنسبة لصالح ومنذ ذلك التاريخ شرعت السلطة في وضع قواعد اللعبة السياسية تقوم على إنشاء نضام ديمقراطي صوري دون أن يكون هناك وجود حقيقي لهذا النظام.. ومن خلال هذه الفترة أدرك الإصلاح توقف الممارسة السياسية عند هامش محدد كان يتم تقليص الاستمرار, فساهم في تشكيل اللقاء المشترك يقف أمام تجاوزات الحاكم.. ومن ثم تطورت التحالفات لتتوسع إلى التشاور الوطني.. الذي تمخض عنه تشكيل اللجنة التحضيرية للحوار الوطني، وأصدرت (وثيقة للإنقاذ الوطني)..
تنبع أهمية وثيقة الإنقاذ الوطني من أنها أتت تتويجا لجهود اللقاء لمشترك في خلق اصطفاف وطني يلتقي حول تشخيص الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها اليمن.. ومن حيث أنها شخصت الواقع أو قدمت تشخيصا عميقا ودقيقا للواقع السياسي بأزماته المتعددة.. الواقع الذي كان نتيجته "ثورة شعبية سلمية" في 2011م..وقدمت الحلول والمعالجات والبدائل للواقع المراد تغييره.. ومن حيث أنها أيضاً خلاصة للعديد من اللقاءات والتشاورات لفئات واسعة وعريضة في المجتمع.. وأتي توجت باللقاء التشاوري الوطني من20ـ 21 مايو2009م والذي دعا كافة أبناء الشعب إلى الحوار الوطني الشامل.. ليشكل الجميع رافعة تغيير سلمي وإنقاذ وطني.. فأعلن اللقاء عن تشكيل اللجنة التحضيرية للحوار الوطني والتي أصدرت "مشروع رؤية للإنقاذ الوطني"..
هنا لا أود احتكر الرأي على القارئ أو أجزم بأن مشروع رؤية للإنقاذ الوطني قد عملت على تشخيص كامل, لأن الرؤية ما تزال مشروعاً ويمكن إثراؤها بالملاحظات وإخراجها إلى مؤتمر الحوار بصورة أفضل.. مع الأخذ بعين الاعتبار المستجدات المحسوبة التي أنتجتها ثورة التغيير السلمية 2011م.. أيضاً وأنا أتحدث عن مشروع رؤية للإنقاذ الوطني لا بد من الإشارة إلى أن أغلب القضايا محل التحاور, بما فيها القضية الجنوبية وقضية صعدة وخيارات النظام السياسي وشكل الدولة والأسس الدستورية والأوضاع الاقتصادية وغيرها, قد تضمنتها الوثيقة..
سأناقش معكم مشروع رؤية للإنقاذ الوطني.. كخلاصة متقدمة وجهود وطنية ادركت الواقع السياسي اليمني وخلاصة لقاعدة عريضة من المجتمع.. ومن حيث أنها حددت إطاراً واسعاً وبرنامجاً محدداً, وضعت الاتجاهات والمخارج والأسس والمرتكزات لإنقاذ اليمن وفقاً لأولويات ملحة تقود اليمن إلى الدولة الوطنية الحديثة.. وسأسلط الضوء على أهم القضايا في هذه الوثيقة:
*تشخيص الواقع اليمني:
قدمت الوثيقة تشخيصاً دقيقاً للواقع السياسي بكافة أبعاده السياسية والاقتصادية وحددت ذلك "حكم فردي مشخصن ومركز سياسي عصبوي "واستوعبت السياق والتطور التاريخي بالنص التالي" ومنذ ثلاثينيات القرن المنصرم واليمنيون يناضلون ويقدمون التضحيات الجسام، وقوافل الشهداء من أجل مواجهة ومعالجة تلك المعضلة والتخلص من انعكاساتها الأليمة، عبر سعيهم لإقامة الدولة الوطنية، كإطار ناظم لعموم اليمنيين على قاعدة المواطنة المتساوية، وسيادة القانون، والنظام اللامركزي، وتجسيد إرادة مختلف قوى ومكونات الشعب عامة".. قدمت توصيفاً جيداً للإخفاقات التي رافقت الثورتين سبتمبر وأكتوبر وحالة التشطير التي عاشها الشمال والجنوب.. وكيف مثلت الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م فتح آفاق المستقبل.. وذلك من خلال أربع نقاط ذكرتها الوثيقة، نذكر منها على سبيل المثال:
( إنهاء حالة التجزئة والتمزق الجغرافي والاجتماعي الذي أصاب الهوية الاجتماعية والوطنية الموحدة للشعب اليمني، لتضمن بذلك توجيه الموارد الوطنية لتحقيق التطور الاجتماعي والتقدم المنشود.. "كما ناقشت الوثيقة تطورات جذور الأزمة بعد حرب صيف 94م وكيف عادت سلطة الفرد".. وهكذا جرت عملية تحويل الدولة من مشروع سياسي وطني إلى مشروع عائلي ضيق يقوم على إهدار نضالات وتضحيات أبناء اليمن، والقفز على مكتسبات وأهداف الثورة اليمنية، للاستحواذ الكامل على السلطة، والاستئثار بالثروة).
ورأت أيضاً "واتساقاً مع ذلك عمد الممسكون بهذه السلطة القائمة على أنقاض المشروع الوطني الوحدوي إلى وذكرت ست نقاط, جاء في الأولى:( سد أفق التغيير عبر انتخابات حرة ونزيهة وعادلة، وتعطيل مبدأ التداول السلمي للسلطة، برفض تنفيذ أية إجراءات من شانها تطوير النظام والإدارة الانتخابية، وتحسين شروط العملية الانتخابية، بما يجعلها حرة ونزيهة في مجرياتها، معبرة في نتائجها عن الإرادة الشعبية الحرة، وتحويل العملية الانتخابية، إلى عملية شكلية عاجزة عن تلبية متطلبات تنمية النهج الديمقراطي وبناء الدولة اليمنية، وإلى مظاهر احتفالية لإضفاء شرعية شكلية على نظام يدير البلد بواسطة دورات انتخابية تم تكييفها لإعادة إنتاج نفسه).
*القضية الجنوبية
وتحت عنوان مظاهر الأزمة رأت الوثيقة أن مظاهر الأزمة السياسية تتمثل في أربع نقاط, نذكر منها البند واحد: "استبدال مشروع بناء الدولة الوطنية المؤسسية بسلطة فرد اكتفت بحشد عناصر الدولة خارج نظامها المؤسسي لتأمين وظيفة تسلطية تتجه بجانب منها نحو إعاقة بناء الدولة وتتجه بالجزء الآخر نحو حماية السلطة العائلية في عمليتين تلتقيان معاً في المجرى الذي يفضي إلى نتيجة واحدة، وهي مواصلة تكريس شخصنة الدولة والسلطة والنظام، من خلال".
كما رأت الوثيقة أن مظاهر الوطنية للأزمة تتمثل في القضية الجنوبية وحرب صعدة.. ورأت أن الدافع الحقيقي للقضية الجنوبية يكمن في النتائج والآثار المترتبة عن حرب صيف 1994م، وفي الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ولدتها سياسات السلطة الانتقامية ضد المشروع الوطني الوحدوي، وممارساتها المتبعة في المحافظات الجنوبية منذ نهاية الحرب وحتى الآن، إذ أن السلطة نظرت إلى انتصارها العسكري في 7/7/1994م، باعتباره المنجز الأخير لاكتمال التاريخ أو نهايته، وأنها منذئذ غير مضطرة لتقديم مشروع سياسي وطني يأخذ بعين الاعتبار تصفية آثار الحرب، ومعالجة جروحها والسير بالبلاد قدماً نحو تنفيذ مضامين الاتفاقيات الوحدوية، وبخاصة ما يتصل منها بالاتجاهات المتعلقة ببناء دولة القانون، القائمة على مؤسسات وطنية قوية، وعلى رعاية حقوق المواطنة المتساوية، وتحويل المشروع الوحدوي الديمقراطي إلى مصدر لإنتاج مصالح جديدة للمواطنين بمختلف فئاتهم وشرائحهم، وكذا انتهاج سياسات فعالة لتعزيز وشائج الإخاء الوطني، وإجراء عملية تأهيل واسعة لليمن الموحد والكبير تساعده على تحقيق الاندماج الوطني والاجتماعي بصورة موضوعية..
كما أجادت في وضع الحلول المتمثلة بـ:-
1. معالجة أوضاع الموظفين ــ المدنيين والعسكريين والمشردين والموقوفين والمحالين قسراً إلى التقاعد والنازحين في الخارج وإعادتهم إلى أعمالهم ودفع مستحقاتهم القانونية.
2. دفع مرتبات ومستحقات من فقدوا مصادر دخلهم جراء نهب أو خصخصة المؤسسات والشركات العامة التي كانوا يعملون بها.
3. تشكيل هيئة وطنية للمصالحة والإنصاف، يشارك في عضويتها ممثلون عن الموقوفين والمتضررين، والمعنيين، تبت في شكاوى وتظلمات الموقوفين، والمبعدين، وتكون قراراتها وإجراءاتها ملزمة للجهات الحكومية ذات العلاقة.
4. إعادة الممتلكات التي تم الاستيلاء عليها، سواء كانت خاصة بالأفراد أو الأحزاب أو النقابات أو الدولة، ووقف إجراءات البسط والاستيلاء على الأراضي واستعادة ما صرف منها بدون وجه حق وإعطاء الأولوية للانتفاع بها لأبناء المنطقة.
5. محاكمة الفاسدين المتورطين في العبث بأراضي وعقارات وموارد الدولة والمال العام والممتلكات التعاونية، والبدء بكبار المفسدين المسئولين عن نهب الجنوب، لما ترتب عنه من تداعيات سلبية ساهمت في تعقيد الأزمة الوطنية وتفاقمها مع استعادة كل ما تم نهبه.
6. إعادة الفلاحين الذين تضرروا بطردهم من أراضي الانتفاع، وفقدوا حيازتهم للأرض في الجنوب، جراء الحرب وتداعياتها اللاحقة، إلى منازلهم وأراضيهم.
7. معاملة كافة ضحايا حرب 1994م كشهداء، ومعاملة الجرحى، وأسرهم، وأسر الشهداء بالتساوي في الرعاية والحقوق.
8. التواصل مع أطراف النضال السلمي للحراك الجنوبي، وكذا القيادات الموجودة بالخارج ودعوتها إلى الحوار الوطني الشامل والجاد القادر على استيعاب الهموم ورد الحقوق وإعادة الاعتبار، بعيدا عن الدعوات التفكيكية التي تزيد من حدة الانقسام داخل المجتمع اليمني.
9. إيقاف ثقافة تمجيد الحروب الأهلية، والدعوة إلى الثأر، والانتقام السياسي، في مناهج التعليم، ومنابر الإعلام والثقافة، وإزالة مظاهر الغبن، والانتقاص، والإقصاء الموجهة ضد التراث الثقافي، والفني، والاجتماعي، في مختلف مناطق الجنوب.
*شكل الدولة في وثيقة الإنقاذ
في القسم الثاني من الوثيقة المعنون بـ"الحلول والمعالجات" وتحت بند "بناء الدولة الوطنية الحديثة".. رأت بناء الدولة في سبع نقاط لكل نقطة تفاصيلها.. لكن هنا سأركز على النقاط المرتبطة بالإصلاح السياسي.. فقد نصت الوثيقة في النقطة (2) على تطوير الدولة على قاعدة اللامركزية ورأت أن قيام وبناء الدولة الوطنية اللامركزية على النحو الذي يحقق الشراكة الوطنية في الحكم والثروة لكل اليمنيين هي الصيغة المثلى لوضع اليمن موحداً على طريق الاستقرار والتطور بما يصاحبها من نظام سياسي ديمقراطي تعددي تحقق العدالة والمساواة والمشاركة الشعبية والتداول السلمي للسلطة.. وحددت ثلاثة خيارات لشكل الدولة, منها خيار: خيار الحكم المحلي كامل الصلاحيات وخيار الفدرالية.. كما ورد في وثيقة العهد والاتفاق.
وفي النقطة ثلاثة من بند بناء الدولة حددت الوثيقة شكل النظام السياسي بإقامة نظام الحكم البرلماني، وتكوين السلطة التشريعية من مجلسين(مجلس النواب ومجلس الشورى).. وأوضحت اختصاص كل مجلس على حدة، واختصاص الاجتماع المشترك للمجلسين، وأن يكون مسمى المجلسين(المجلس الوطني) ومن صلاحياته "انتخاب رئيس الجمهورية وإعفائه من منصبه".
أحمد الضحياني
وثيقة الإنقاذ الوطني بين يدي الحوار الوطني الشامل 1888