إن الحوار الفعال والنشط من قبل كل مكونات القوى السياسية والاجتماعية بهدف التغير يحتاج من رجال ونساء التغير إلى أرضية فكرية خصبة، وطاقة نفسية، وتحرر فكري، وانكسار قيد التقليد والتحرر من التبعية والابائية.. ومع هذه الشروط التحررية الذاتية لنتذكر جميعاً أنه مع هذا يبقى مفتاح دخول وتجاوز العقبة{فلا اقتحم العقبة}سورة "البلد:11".. هو العقل المعني بالتحرر تماماً، وعند ما يتجاوز العقل عتبة التبعية والخوف من البحث الحر، والحوار الحر وتبادل الآراء والإيمان بزوجية الفكرة في أي حوار عقلي ويعتبر المحاور أن ما عنده صحيح ويحتمل الخطأ وما عند الآخر خطأ ويحتمل أن يكون صحيحاً، ويحمل رغبة في البحث وعنده البحث أهم من امتلاك الحقيقة، لأن امتلاك الحقيقة المطلقة ادعاء، وخدعة وتعطيل للجهد الإنساني، وغير ممكنة, لأنها ملك لله وحده فقط.. وهنا على كل العلماء والمثقفين أن يدركوا أن العقل بين احتكار تفسير النصوص، أو تشغيله لفهم النصوص، فالأول يقع في مغالطة أن فهمه للنص يساوي النص وهذا ما يجب أن نقف ضده جميعاً، والثاني يتحرر بإدراكه أن فهمه للنص هو (كم) أقل من النص دوماً وهذا ما يجب أن نتعامل به، وإلا أصبح هو النص، ويتناهى إلى الصفر، فيصبح سلبياً، كما حصل للخوارج في التاريخ، الذين قتلوا المسلمين، وأبقوا على المشركين، وظاهرة الخوارج هي (عقلية) قابلة للتكرار دوماً.
إن أي واقع بشري، هو نتيجة طبيعية للأفكار التي يحملها الناس في مجتمع ما، فإن العكس صحيح أيضاً، بمعنى: أن تغيير رصيد ما بالنفوس، سوف يغير الواقع الاجتماعي، ويتولد عه هذا، ثلاث نتائج متلاحقة، يأخذ بعضها برقاب بعض, فطالما كان تغيير ما بالنفوس، يرجع إلى الأفكار التي نزرعها، فإن مفاتيح التغيير الاجتماعي، هي ملك يميننا، وبها تدشن الكرامة والحرية الإنسانيتين، وطالما أكانت أسرار التغيير تحت أيدينا فإن أي شيء يحدث لنا هو من صنع أيدينا، وهي فلسفة القرآن، التي تنص على أن الظلم الذي يقع على الإنسان، هو من صنع يده، قبل أن يكون مصدراً آخر، وأعظم فضيلة يتدرب عليها الإنسان هي: ألا يلوم أحداً، بل يلوم نفسه عند مواجهة أي خطأ، وألا يلعن الظروف، بل يفهم قوانين حدوث تلك الظروف تمهيداً للسيطرة عليها.
وأخيراً فإن علينا أن نتوجه إلى الحق المفيد في التغيير الاجتماعي، من خلال فهم سنن التغيير، لأن وعي أي قانون، يفتح الطريق أمام تسخيره، والتسخير هي الخدمة المجانية، وهي متاحة لجميع البشر.
محمد سيف عبدالله العدينى
التحرر من التبعية 1543