وكأن حلماً ممتداً, أشهر من الغيبوبة مرت على حياتي, جاهداً أحاول أن أكون بذاكرة ولو مهشمة, عامان للوراء، صورة لطلاب الجامعة يخرجون معلنين الرفض, القمع نصيبهم, وخراطيش النار تتوزع هنا وهناك, والهتافات تعود إلى مسامعي رويداً رويداً, الساحات تتوسع, ملحمة تاريخية.. كانت الأطراف المتباينة والمتصارعة كقطبي مغنطيس تتقارب من بعضها, ما أجملنا وأجمل اليمن بنا بتلك الحقبة التي شهدت دماراً للأرض والإنسان، حينها كنت لا استطيع تذكر ماضينا المخزي من الصمت على سلبنا حقوقنا وكأن اليمانيين خلقوا للتو, لم يعد هناك جنوب أو شمال لليمن, لا مذهب زيدي ولا شافعي, الرجال والنساء شركاء وكل هذه التبيانات السابقة فقد اتحدت تحت سقف "ثورة شبابية " الحوثي والإصلاحي في ساحة واحدة, الثوب والمعوز والبنطلون الجنز في خيمة واحدة, نساء في الطرف الآخر لم تصبهن سهام الشيطان.
قبل أشهر عدة من الآن فتحت دفتري الذي خصصته للثورة, لأحداثها وخواطري في عشقها وكنت أعده أجمل ما بوحت به, سقطت دموعي وأنا أقلب ذكريات امتدت منذ انطلاقة الثورة حتى وقت ليس ببعيد.. انتحبت بحرقة الفاقد كل شيء وأنا أرى ما وصلنا إليه, مزقت الدفتر وأحرقته لأحرق سعادة خلتها ستدوم، وخشيت أن يبقى بمثابة كابوس يلاحقني...
أحترق قلبي وأنا أرى الماضي يعود بالطرق الأكثر وخشية, واستطاع النظام السابق أن يبث بيننا العداوة والكراهية والتطرف حتى غدت قوانا تستهلك في كراهية الآخر فقط..
الولاءات المذهبية والمناطقية أهلكتنا, أقلام الأمس الثورية أصبحت سهاماً تغرس الأحقاد, وجميعنا صرنا عراقيل أمام الدولة المدنية التي صباح مساء نهذرف بمناشدتنا لها.
أحمد حمود الأثوري
هذا ما أبكاني بحرقة ( 1- 3 ) 1794