سبق وأن وضحنا في مقال سابق عاملاً هاماً من أهم العوامل المؤثرة على العمل الإداري والذي هو أحد عناصر التخلف الإداري وهو عامل " التسييس الإداري" ووضحنا من خلال ذلك المقال وبأسلوب مبسط عدداً من الآثار الهامة المترتبة على عامل "التسييس الإداري " وفي هذا المقال الهام سنوضح الشروط القانونية التي يتطلبها القانون في منصب إداري وكيف يسعى الساسة إلى تطويع هذه الشروط وإضافة شروط أخرى في إطار مصطلحات مطاطة لا ينص عليها القانون ولا يطلبها بل هي من ابتكارات رجل الإدارة الذي ينتمي إلى مثلث فاسد يأخذ نصف حيز الهيكل الإداري للمرفق العام والتي يختلقها بصورة قانونية شكلية مضمونها الفساد ومصالح شخصيه لتمرير الشخص الذي يخدم مصالحهم ويحقق بواسطته أهدافهم السياسية في تنفيذ العمل الإداري في المرفق العام.
وفي ضوء هذا التوضيح تحقق الأحزاب السياسية عبر اكاديميين مسيسين ينفذون توجيهات خارجية من قيادات في رأس الهرم وهم قيادات لا علاقة لهم بإدارة المرفق العام وقياداته كما أن توجيهاتهم أيضاً لا علاقة لها بالسياسة الأكاديمية ومعيار الجودة التي تشترطها منظمات دوليه.
ولتوضيح الصورة بشكل كامل سنضرب مثالا قانونياً واقعياً ذلك أنه إذا نظرنا إلى الشروط القانونية التي يشترطها القانون في منصب أكاديمي مثلاً " تعيين عميد كليه" فماهي الشروط القانونية لتعيينه؟ ثم كيف يتم تطبيق هذه الشروط في الواقع العملي؟ سنحاول الإجابة على هذه التساؤلات لما لها من أهميه بالغه خلال هذه الفترة في الجامعات اليمنية وكالآتي:
أولاً: الشروط القانونية لمنصب عميد كلية:
يشترط في المرشح للتعيين في وظيفة عميد الكلية الشروط الآتية:
1- أن يكون حاصلاً على الدكتوراة أو ما يعادلها من الشهادات الطبية المتخصصة العليا المعترف بها
2- درجة أستاذ أو أستاذ مشارك..
3- خبرة ست سنوات في العمل الأكاديمي والإداري..
ومن خلال العرض السابق للشروط القانونية في الشخص المرشح لمنصب أكاديمي "عميد كليه" فإنه يتضح لنا بجلاء أن جميع الشروط واضحة، لا تحتاج إلى تفسير أو توضيح قانوني أو اجتهاد وفق القاعدة القانونية المعروفة (لا اجتهاد مع النص) إلا أن هناك تساءلاً قانونياً هاماً يتعلق بالشرط الثالث يتضمن ضرورة توافر خبرة لدى المرشح لهذا المنصب لا تقل عن ست سنوات من العمل الأكاديمي والإداري مفاده هل تحتسب خبرة المعيد أو المدرس من تاريخ تعيينه بالجامعة أم من تاريخ تعيينه أستاذاً مساعداً؟
وفي تقديري فإن خبرة المرشح في هذه الحالة يجب حسابها من تاريخ تعيينه لأول مرة في الجامعة سواء معيداً أو مدرساً وإن مدة عمل الشخص الإداري أو الأكاديمي قبل حصوله على الدكتوراه يجب أن يتم حسابها ضمن مدة الخبرة التي يشترطها القانون لهذا المنصب وبالتالي على سبيل المثال :
إذا كان هناك شخص قد تم تعيينه معيداً في إحدى الكليات بتاريخ /22/11/1997 ثم حصل على الدكتوراه في العام 2007 وكان تاريخ صدور قرار له بالتعيين أستاذ مساعد بتاريخ 3/8/2008 فإن خبرة هذا الشخص هي المدة الفاصلة بين 22/11/1997 وتاريخ ترشيحه لهذا المنصب فإذا افترضنا أن تاريخ ترشيحه هو 10/3/2013فإن خبرته في هذه الحالة هي خمس عشرة سنة وثلاثة أشهر وثمانية عشر يوماً.
وفي إطار الدولة القانونية التي تؤمن بالديمقراطية الحديثة والتعددية الحزبية وتملك إدارة عامة متطورة وتحترم الدستور والقانون وحقوق الإنسان فإن توافر هذه الشروط كافية لتولى المنصب.
إلا إننا من الضروري الإشارة هنا إلى شرط آخر يشترطه البعض هو شرط "القدرات الإدارية" فهل هذا الشرط قانوني؟ وما هو الواقع العملي لتطبيق النصوص القانونية سالفة الذكر ؟
سنحاول الإجابة على هذان السؤالان شديدي الأهمية كالاّتي:
أ) الواقع العملي لتطبيق النص القانوني سالف الذكر
ب) التقدير القانوني لشرط " القدرات الإدارية".
أ) الواقع العملي لتطبيق النص القانوني سالف الذكر:
لتوضيح هذه الفكرة من الضروري الإشارة إلى ثلاث نقاط أساسية هي:
1_ أشارت العديد من الدراسات الأكاديمية إلي أن نصوص الدستور والقانون اليمني وعلى الرغم رصانتها القانونية من حيث الصياغة كما أنها حديثه من حيث مضمون نصوصها القانونية من حيث أنها تحاكي الواقع اليمني الحديث وتناسب عصرنا المعاصر إلا أنها بعيدة تماماً عن الواقع ولا يتم تطبيقها لأن هناك العديد من الصعوبات التي تقف عائقاً أمام تطبيقها على أرض الواقع من أهم هذه الصعوبات ظاهرة التخلف الإداري الذي سبق وأن وضحنا في أحد دراساتنا الأكاديمية ذات الأهمية العلمية القصوى أنها تتضمن ثلاث عناصر أساسية هي المناطقية والتسييس الإداري والفساد.
2- وفي ظل الوضع الإداري المتردي سالف الذكر فإن التخلف يكون سيد الموقف ويتم تجاهل هذه النصوص وتطبيق معايير متخلفة تماما أبرزها سيطرة حزب واحد على الإدارة العامة في اليمن وتجاهل الكفاءات الإدارية مع أهدار التقسيم القانوني والعلمي للثروة الوطنية والإخلال بمبدأ المساواة في الحصول على حق التعليم.
وفي أحسن الحالات وأفضلها يتم التخلي عن هذه الدكتاتورية الإدارية التي يمارسها حزب يمارس الدكتاتورية بشتى صورها السياسية والإدارية وغير ها من الصور الأخرى وتحت تأثير ضغوطات معينه قد تكون خارجية أو سياسية أو شعبية وإحلال مبدأ أخف وطئه هو مبدأ التقاسم والمحاصصة في السلطة الإدارية والثروة الوطنية التي تتضمنها ميزانيات المرافق العامة في الدولة مع تهميش وإقصاء كافة الكوادر الوطنية التي قد تم إعدادها باستقطاع جزء من قوت الشعب ومن ثروته الوطنية ليحل محلها في ظل معايير متخلفة سياسياً وإدارياً وقانونياً وعلمياً أشخاص أدنى في المستوى والكفاءة قد لا يملكون أي مقومات أو خبرات للنهوض بالوطن في هذه المرافق الحيوية اللصيقة بمستقبل الأجيال وإعدادها.وبذلك تفقد الكفاءات الوطنية المؤهلة التي انفق عليها اليمن كثيراً من ثرواته وإمكانياته المادية حقها المقرر دستوريا وقانونيا في الثروة الوطنية وإهدار المساواة في التعليم والتعيين الإداري وإهدار حقوق المواطن اليمني المتعلقة بالا داره العامة وخدمات المرافق العامة التي يقدمها للجمهور.
3_اللجوء إلى إضافة شروط لم يتطلبها القانون لتعقيد التعيين أو استبدال الشروط القانونية بشروط ذات طابع سياسي أو ذات صلة بالتخلف الإداري المسيطر على الإدارة العامة اليمنية بعناصره الثلاثة التي حددناها بدراسة أكاديمية لنا بالمناطقيه والتسييس الإداري والفساد وتطبيق هذه الشروط سيؤدي إلي إهدار أهم المبادئ الدستورية العليا وهو مبدأ المواطنة المتساوية فضلا عن مخالفة الدستور والقانون اليمني ومواثيق حقوق الإنسان الدولية وقد يدخل رجل الإدارة هذه الشروط المخالفة لكل ما سبق ذكره في أطار يبتكره بشكل قانوني ومضمون يخدم مصالحه الشخصية ويعمق الظلم والفساد ويؤطر للسياسة وأحزابها إطاراً قانونياً يخدمها ويحقق مآربها في استغلال الثروة الوطنية والسيطرة على السلطة الإدارية للمرفق العام واستغلال كامل للخدمة التي يقدمها المرفق العام للجمهور على مدى طويل.
4_ إن ما زاد الوضع سوءً ليس الامتناع عن تطبيق القانون الإداري في مجال الإدارة العامة بل عدم إنشاء قضاء إداري مع عدم اهتمام المنظمات الدولية بهذا الجانب الهام والضروري في اليمن رغم تدخلاتها المستمرة في رسم السياسة اليمنية وبناء الدولة اليمنية بشكل فاعل ومؤثر.
ب) التقدير القانوني لشرط "القدرات الإدارية" :
كما سبق وأن وضحنا أن هذا الشرط لم يتضمنه القانون اليمني وإنما صنعه البعض في جامعة تعز منذ فترة قصيرة للغاية من أجل التلاعب بالشروط القانونية التي يشترطها القانون لمن يتولى منصباً إداري كما أنهم هم أنفسهم من يملكون السلطة التقديرية في تمديد نطاق هذا المصطلح الفضفاض ورسم الإطار العام وتحديد تفاصيله الدقيقة بأسلوب يسيطر عليه طابع التخلف الإداري.
مستغلاً ـ في ذلك ـ عدم تطبيق القانون وغياب القضاء الإداري وضعف أداء القضاء اليمني بشكل عام وفساده وحداثة نشأته.
وسنحاول لاحقاً تخصيص مقال مستقل بهذا الشرط لتوضيحه وتفنيد جوانب الخلل والقصور فيه.
د. ضياء العبسي
الوظيفة الأكاديمية بين شروط القانون وتلاعب الساسة 1851