اليوم وفي خضم وجعي اللامتناهي أبى قلمي إلا أن يخط على أوراقي المتناثرة في محيط غرفتي ويغازلها بحسرة الموجوع المنهك الذي يبحث عن متنفس لتلك المآسي التي يحملها بين جوانحه منذ أن خط أولى كلماته وأمنياته على صدر الصحف التي كانت تبحث عنها وتلتهمها بنهم الجائع الذي لم يذق الطعام لسنين..
أراد أن يخط اليوم كلمات إلى من ظننت وظن الآخرين أنه صحفي تتلمذ في أحضان صاحبة (الجلالة) وتعلم منها الأخلاق والآداب والصدق والوفاء قبل أن يتعلم خط الكلمات والتلاعب بالأحرف ومراقصة القلم واستمالة القلوب وأسر الأفئدة..
تعلم في حضرتها أن احترام الآخرين والمهنة وتقديس الكلمة من شروط العمل الصحفي الذي ينصر المظلوم ويحارب الظالم مهما على شأنه واشتد عوده واستفحل شرره وفساده بكلمات نابعة من حنايا الروح والقلب قبل أن تكون كلمات على أسطر خرساء لا تفقه ما تحمل، شيء من ذلك الحبر الذي ينساب بين جنباتها من هموم والآلام وحقائق يندى لها الجبين ويقشعر منها البدن وربما أكاذيب وزيف ونفاق وفتن (كقطع) الليل المظلم..
ظننت أنه يعصر نفسه ليتحفنا بكلماته التي تثلج الصدور وتأسر الألباب وتريح القلوب بكل جملة يخطها على صدر صفحات الصحف ليشارك الآخرين همومهم وأوجاعهم ويقارع الفاسدين ويجابههم بكل حزم وصلابة وصدق ودون خوف أو وجل أو رهبة, كلمات تجود بها قريحته وتخطها أنامله التي تحتضن قلمه كي يسكب حبره دون أن يكون ممن يستخدمون (النسخ) أو (اللصق) في كتاباتهم أو يستحوذون على إبداعات وكتابات الغير لينسبها إليه دون وجه حق أو حياء وغير مكترث (بعرف) الصحافة الذي حرم مثل هذا التعدي السافر على حقوق وأفكار الغير التي يحاول جاهداً أن يسرقها من هنا وهناك من خلال تلك (الأكوام) من الصحف التي تختزنها مكتبته ليسرق منها فكرة أو جمله أو ربما موضوع كامل (برمته)..
إليك يا من كنت أحسبك صحفياً يصارع في بحر الحياة اللجي المتلاطم الأمواج من أجل كل من فتكت بهم الأسقام وأزرت بهم الآلام وتناوحتهم الحياة وضنك المعيشة, وكان الكل يثنون على قدراتك وإمكانياتك في التلاعب بالكلمات وامتطى القلم بجدارة وقدرة فائقة لا يستطيع أحد مجاراتها أو حتى الوصول إليها..
إليك من شيدت لك هرما ورقيا وبنيت لك قصرا في رمال متحركة لا تحتمل تلك القصور الزائفة على رمالها الناعمة ولا تقبل بان يمشي فوقها من لا يملك تأشيرة عبور إلى قلوب الآخرين بصدقه ووفاءه وإخلاصه.
إليك يا هذا دع عنك الزيف والظلال والصعود على ظهور الآخرين لتصنع أمجادك وشهرتك الزائفة التي لا يعرف البعض حقيقتها والتي أجزم لو أنهم عرفوها لنسفوك نسفاً ولمحوك من بلاط صاحبة الجلالة, دع عنك السطو على أفكار الآخرين وكتاباتهم وكلماتهم وأفكارهم والتفاخر بها وبأنها من نسيج أفكارك ومشاعر خلجاتك وملكات قلمك..
دع عنك هذا وعد إلى رشدك وصوابك قبل أن يفتضح أمرك وقبل أن يكتشف الآخرون حقيقتك الزائفة وأقنعتك المصطنعة ويدركون فداحة وفظاعة تلك الأساليب القذرة التي تنتهجها وتستخدمها في كتاباتك..
إليك آخر كلماتي تذكر أن ما تفعله ينافي شيم وأخلاق ومبادئ الصحافة التي وجدت لتخدم وتبني وتشيد بها لا أن تصنع بها أمجاد زائفة لن يطول أمدها وستأخذ وقتها ثم تنقضي..
فهد علي البرشاء
إلى من كنت أظنه صحفيا !! 1370