الإيفاء بالالتزامات والوعود والعقود والمواثيق من الواجبات الشرعية "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود"، "وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا".. حتى الوعود واجبة الوفاء وإخلافها من علامات النفاق الوفاء "آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان" متفق عليه..
إنها ثلاثية وباء خبيث فشا كثيراً بدون أن يواجه بحملات التطعيم والعلاج.. تجد كثيراً من الناس يحمل هذا الفيروس الضار, خاصة الرهط القاعد على الكراسي العامة, إلا البعض وقليل ما هم.
دعوني آخذكم في جولية مقاصدية مع هذا النص.. لماذا هذه الثلاث بالذات هي المواصفات التي تقبع خلفها شخصية نفاقية استحقت أن ينص عليها الرسول الكريم في حديث نقرأه إلى قيام الساعة؟.. لأن هذه الصفات هي التي تتمركز حولها كافة الأقوال والأفعال والاعتقادات والأفكار.. إن الكاذب سيكذب في هذه السلسلة أيضاً, والخائن للأمانات سيخون في أقواله وتصريحاته وكلماته وتحليله السياسي أو الاقتصادي أو الأمني, سيخون ويكذب في تحركاته وفي عمله في أي قطاع عمالي أو هندسي أو طبي أو علمي أو تربوي أو إعلامي أو عسكري أو غيره.. وقد تكون هذه الخيانات والأكاذيب هي جزء من سياسته اليومية مع الناس والوطن يظنها حذلقة وذكاء ودهاء ولا يدري أنه هنا عند هذه النقطة وصل إلى محطة خطيرة جداً, هي في قوله تعالى: (وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون).. لأن الوصول الى هنا معناه قرب الهلاك الذي ينتظره نكالاً من عند الله في الدنيا قبل الآخرة.. إن كثيراً من هؤلاء الكذابين الخونة المخلفين لا يحتاجون لمبررات لذلك, لأنهم استمرأوا الوضع واستحسنوه.
إن الإخلاف غير مبرر أبداً, إلا في حالة الاضطرار الذي لا يمكن معه الوفاء, والمسلم إذا أخلف وعده مرة نظرنا إلى عذره فإن كان ناسياً أو مضطراً عذرناه، وإن كان عمداً بلا نسيان ولا اضطرار مع تمكن من الفعل والإيفاء فهو مرتكب لذنب يعتبر ضمن الجرائم والآثام الكبرى في الشرع, وواجب عليه التوبة فوراً, فإن لم يتب أو تكرر منه ذلك سقطت عدالته وشهادته ولا يولى ولاية في نظام الإسلام.. وبهذا نعرف انهدام المقولة السائدة (مسؤول لا يكذب فليس بمسؤول).. هكذا تترسخ مثل هذه الانحرافات بمثل هذه الثقافات التالفة.
إذاً يجب أن تراقب أقوالك وتضبط وعودك والتزاماتك بدقة وإيفاء.. إنك إذا قطعت وعداً فإنما تلتزم بعقد بينك وبين الله أولاً وبينك وبين ضميرك ثانياً قبل أن تعقده مع الغير.. فإن أخلفت مقتك الله، ومقتتك نفسك ويظهر ذلك في نكد نفسي وحياتي واهتزاز داخلي في ثقتك بقدراتك واضطراب كثير في الأمور ناتج عن ذلك، وعقوبات وتعسيرات إلهية بحسب مقدار ما فعلته.. هذا إضافة إلى تشوه الصورة لدى الغير، واهتزاز ثقتهم بك وأقوالك وأعمالك وعند ذلك عليك أن تتوقع الكثير من الخسائر المتعددة في كل اتجاه..
هل تتوقع أنهم سيتبعونك وأنت غير مسؤول عن كلمتك ووعدك؟!، أسيدخلون معك في صفقات؟!, أسيبرمون معك اتفاقات؟!, هل سيضعونك في قيادة أو مسئولية؟!, أم هل سينتخبونك وسينصرونك؟!.. كلا, بل إنك ستحصد مقت الله ولعنة خلق الله.. بل ستتأثر أسرتك الداخلية بهذه الشخصية المخلفة الكاذبة.. لن يحترمك أولادك ولا أصحابك، ولا أسرتك ولا مجتمعك.. ولو كنت مديراً أو قائداً, أو ما كنت, ستخسر عند الله وعند خلقه.
د. فضل مراد
إذا وعد أخلف.. 1677