طالعتنا صحيفة "أخبار اليوم" في عددها 302 بتاريخ 30-04-2013م بمقال لكاتبه محمد سيف العديني تحت عنوان (الردة الفكرية) هدف من خلاله أن يبني مجتمع اللا إكراه وخلاصة ما يريده هو دعوته إلى حرية الارتداد عن الإسلام وقد حشد من نصوص القرآن ولوى عنقها لتناسب هواه, فبدلاً من أن يتبع النص جعل النص تابعاً له.
وللعلم فإن أغلب من في الجزيرة العربية بعد وفاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ارتدوا عن الإسلام فقيض الله لهم خليفة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ فكانت حروب الردة ويبدو أن أبا بكر لم يصله فكر وإبداع صاحب المقال وإلا لترك المرتدين باسم الحرية وما كنا اليوم مسلمين، ومع هذه الحروب التي ردت المرتدين إلى جادة الحق فقد حدثت نهضة وإبداع في العصور التي تلت تلك الحروب ولكنها نهضة مؤطرة بأخلاق الإسلام وليست بأخلاق الانحطاط القيمي الغربي الذي يبدو أن الكاتب منبهراً به من خلال أطروحاته التي يطربنا بها بين الفينة والأخرى.
وانطلاقاً من أن الإسلام هو دين الحق وغيره باطل وضلال وهذا ما يجب أن يعتقده كل مسلم فنقول كيف يجيز دين هو الحق لاتباعه أن ينحرفوا منه إلى الضلال؟ وكيف يقبل كاتب المقال بعقوبة الخيانة العظمى لمن يخرج على وثيقة عقد بشري بين الحاكم والمحكوم (الدستور) ولا يقبل بعقوبة من يخرج على وثيقة عقد بين العبد وخالقه؟! فالمسلم بمجرد إسلامه صار بينه وبين الله عقد..
قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة 111، فكيف يدخلون الإسلام فطرة (يولد مسلم) أو بعد كفر ويعقدون هذا البيع والشراء مع الله ثم لا يعاقبوا إذا نكثوا ؟!
إن دين الله هو رحمة للعالمين فهو أرحم باتباعه من رحمة الأم بولدها فهل ستترك الأم ابنها يذهب إلى النار دون أن تمنعه باسم الحرية وكذلك الإسلام يردع من يريد من أبنائه الذهاب إلى النار؟ .
إن مشكلة الكاتب أنه لا يؤمن بالسنة ويعتبرها جزءاً من المقولات التاريخية فقد ذكر في موضع آخر قوله عن حديث
( الإيمان يمان .....) بأنه مقولة لم تتحقق عبر التاريخ حسب زعمه وأرجو أن يراجع التاريخ ليعلم أن أهل اليمن هم من نشر الإسلام في العالم وأصبحوا مكوناً رئيسياً في الجهاد والدعوة إلى الله.
ومن فهمه للسنة بهذه العقلية الاستعلائية الإعراضية فهو لا يؤمن بالحديث ( من بدل دينه فاقتلوه) البخاري، وحديث: (لا يحل دم أمرئ مسلم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداَ رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة) البخاري، وأما استدلاله بقوله تعالى: ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) فهي على سبيل التهديد لا على سبيل الاختيار والدليل ما تبقى من الآية (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) الكهف ولذلك هم يبترونها بتراً للتلبيس على القارئ ومن هنا أذكره بقوله عز وجل عن أبي جهل وهو يعذب يوم القيامة (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمْ ) فهل أبو جهل عزيز كريم أم على سبيل التوبيخ والسخرية وهذا ما ذهب إليه أهل العلم وليسوا باحثين عن الشهرة بجهل يغلفه الهوى..
إن الكاتب يؤمن بمبدأ التخصص في كل مجال إلا مجال الإسلام، فكل مسلم عنده عالم وهذه هي الكارثة ولذلك جعل من نفسه مناطحاً لعلماء الأمة فعطل القواعد وسخر من النصوص وهو لا يعلم أن القول على الله بغير علم قرين الشرك قال تعالى:
(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
والأصل إذا استشكل على المسلم أمر في دينه يذهب لأهل العلم قال تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل: 43
وأهل الذكر هم أهل القرآن المتخصصون فيه المتبحرون بعلومه العارفون بأحكامه فالله أمرنا أن نسأل أهل القرآن ولم يقل فاسألوا أنفسكم ما دمتم مسلمين وهذا ما وقع فيه الكاتب الذي ذهب في مقاله يضرب الأمثلة وكأنه يتحدث عن نظرية بشرية أو آلة ميكانيكية وليس عن دين (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) فنقول له إن الرجوع بالسيارة للخلف مسموح كما ذكرت لأن صانعها أراد لها ذلك لتؤدي وظيفتها، فالسيارة صنعت لكي تقودها أما الدين فجاء لكي يقودك، فأنت التزمت بأمر صانع السيارة فلماذا لا تلتزم بأمر خالقك الذي منع الارتداد عن دينه حين قال: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ 30 ) سورة محمد..
إلا تخشى الله من هذا القول الكريم، فكيف جعلت عدم الارتداد سجناً وعصبية ووصاية فكرية ؟! وكيف أعطيت الحرية للمسلم أن يشكك في الإسلام لأنه وجد فيه شيئاً لا يناسبه ومن حقه الردة، وهل كل مسلم قادر على استيعاب كل علوم الإسلام.
والعجيب أن الكاتب يجعل نصوص السنة وأقوال العلماء فهوم يجب الابتعاد عنها ويجعل من فهمه بدون علم مقدس وهو الحق الذي يجب أن يتبع وغيره الباطل، ولا شك أن مثل هذا الطرح يعمل على مساعدة المنظمات التنصيرية والتي تسعى عبر المنظمات الدولية للضغط من أجل إلغاء عقوبة المرتد من قوانيننا لتأخذ حريتها بإخراج أبناءنا من دينهم مستغلة الفقر والجهل بالإسلام والانبهار بحضارة الماديات! وقد ربما يكون هذا المقال وغيره جاء في هذا السياق ليمهد لمثل هذه الضغوط..
إن حجج أصحاب هذا الفكر يريدون بها أن يقدموا الإسلام للآخر ليناسب ثقافته ورغباته وأخلاقه بهدف إدخالهم إلى الإسلام كما يزعمون.
وأنا أقول كم مرة قد وقفوا ودعوا من التقوا بهم من الكفار للدخول في الإسلام؟ وكم قد أسلم على أيديهم رغبة بفكرهم.
وكنت أتمنى من الكاتب أن يتحدث عن الإكراه الذي يمارسه الآخر علينا فهو يكرهنا على قيمه وترك قيمنا باسم العولمة وحقوق الطفل والمرأة ويفرض علينا متى نتزوج ومتى وكم ننجب وكيف نمارس السياسة والاقتصاد وهو يكرهنا على قبول اسرائيل محتلة لأراضينا ومقدساتنا وهو يقتلنا ويحاصرنا إن رفضنا إكراهه مع أنهم يكرهونا على باطلهم وفرق بين من يكرهك على الباطل ومن يكرهك على الحق.
وأخيراً أقول للكاتب ما للمرتد حسب ما جاء من أحكام قطعية وإجماع علماء الأمة الإسلامية إلا اسم أبيك (سيف) بالطرق الشرعية
)رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّاب(
محمد بن ناصر الحزمي
رداً على العديني (ما للمرتد إلا اسم أبيك) 2199