إننا توارثنا مفاهيم خاطئة, منها أن أي فكرة دون قوة تفرضها وتساندها لا معنى لها، ولا رصيد لها من الواقع وهذا ينطبق على الأفكار الباطلة والبشرية, أما الإسلام فلا, لان كل فكرة تعتمد القوة والعنف تحمل ضمناً خذلانها ولو بعد حين، لأن قوتها ليست من ذاتها مثل الإسلام، وبقدر اعتماد القوة الخارجية لفرض الفكرة تتبخر القوة الذاتية للفكرة وتضمحل وتبقى القوة، فتتحول الفكرة إلى صنم لا ينفع ولا يضر.. وهنأ أسأل نفسي: متى أكون حراً؟ هل يستطيع أحد أن يجعلك تصدق ما ليس بصدق؟ تقول: لا!!, هل يستطيع أحد أن يكرهك على فعل ما لا تعتقده؟ تجيب: نعم، وكيف ذلك؟, تقول: إذا هددني بالقتل أو الحبس، فإذا لم تخش من الموت أو الحبس؟, ستقول: لا يستطيع!!، إذاً أنت عندها حر.
هذا النوع من التفكير هو الذي يشكل بداية الطريق لإنسان جديد، وهذا ما نريده اليوم، أن يعتنق الفرد ما يراه صدقا، ولا يتراجع عنه أمام الإكراه الجسدي أو المعنوي، كما لا يرى الإكراه طريقة لإجبار الآخرين في تغيير قناعاتهم في لعبة تحييد كامل للجسد في الصراع الفكري، وبهذا الشكل من التفكير والتصرف يتم الانفصال والانخلاع والتباعد بين مفهومي الفكر والقوة، فالفكر لا يأخذ صدقه من القوة، كما لا تتحول القوة إلى صدق بفعل الأمر الواقع وتكرار الإنتاج.. الفكرة قوة ذاتية وتحرر نفسي، والقوة طلاق للفكر، واستمداد للمشروعية من عناصر خارج ذاتها..
ولهذا نجد أن الجهاد في الإسلام شرع ليس للهجوم على المجتمعات الأخرى واقتحامها بالقوة المسلحة، وإجبارها على اعتناق الإسلام، بل هو دعوة لإقامة حلف عالمي للدفاع عن المظلومين، ولو كانوا غير مسلمين، لرد ظلم الآخرين ولو كانوا مسلمين، بمعنى أن الجهاد يأخذ بعدا إنسانيا وليس انغلاقا عنصريا، فهو موجه ضد كل ظالم، ولو كان مسلماً، إذا كان يجبر الناس على ترك عقائدهم وديارهم بالقوة المسلحة، في حركة للدفاع عن المظلومين البؤساء، ولو كانوا غير مسلمين في الأرض كلها، وهذا يظهر واضحا منذ الآية الأولى التي نزلت في سورة الحج، وقرر هذا الإمام (ابن تيمية)، وهو أن الجهاد لم يشرع لـ (نشر الإسلام), بل للدفاع عن المظلوم، ويدخل ضمنه حماية حرية الرأي والعقيدة، والتعبير داخل المجتمع الإسلامي {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (39) سورة الحـج.. وبمراجعة القرآن من أوله حتى منتهاه نراه يقرر حقيقة بدون ملل، أن الجهاد آلة مسلطة لحماية الإنسان من الفتنة أي الإكراه {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} (193) سورة البقرة، فالمجتمع الإسلامي هو مجتمع {لا إكراه في الدين}"البقرة:256"، فيحمي كل إنسان، مهما كان دينه ولو كان غير مسلم، ضد من يمارس الظلم ولو كان مسلماً، عندما يخرجه من دياره أو عقيدته بالإكراه دخولا وخروجا، فالجهاد إذن آلة قد تستخدم ضد المسلم والكافر إذا كان ظالماً، ولا تستخدم ضد من يمارس العدل مؤمنا كان أو كافرا، ومنه يفهم أن الهجوم على المجتمعات المجاورة لإدخالها بالقوة المسلحة إلى الإسلام ليس من روح الإسلام، وذكر القرآن هذه القاعدة للتعامل مع المجتمعات المجاورة بشكل صريح أنه لا ينهي بل يحض على معاملتهم بالبر والقسط، طالما لم يمارسوا الأمرين المكروهين، من إخراج الإنسان من بيته أو ما يعتقد به بالقوة المسلحة {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } (8) سورة الممتحنة، طالما لم يخرجوا الناس من ديارهم وعقائدهم بالقوة المسلحة..
لأن علة الجهاد هي لرد الظلم من أي مصدر جاء، ويجب تجنيد إمكانات المجتمع الإسلامي للتحرر من الظلم داخليا، وحمل روح العدل إلى العالم، والتحالف والتعاون مع كل القوى لترسيخ مفهوم العدالة، فالإسلام يريد بناء العدالة في الأرض، وكما قرر (ابن قيم الجوزية) فحيث العدل فثم شرع الله.
محمد سيف عبدالله العدينى
المجتمع الإسلامي الحق مجتمع لا إكراه في الدين 1420