كما أن الناس باختراع الكهرباء ودعوا الظلام، وكذلك بالتربية والتثقيف على المحبة والسلام سيودعون (العنف والقتل)، فمن أسماء الله السلام، وإن القرآن استخدم كلمات جميلة حينما اعتبر أن الذي يلقي بالسلام يجب عدم اعتباره كافراً، { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} (94) سورة النساء، فهو معنى على غاية الأهمية في بناء مجتمعاتنا العربية المستقبلية خاصة بعد ثورات الشعوب العربية على حكام الاستبداد والظلم والقتل والقمع باسم الثورات السلمية..
وهنا لا بد أن نرسخ في أذهاننا أننا مهما اختلفنا مع الآخرين (السلاميين)، وتدافعنا معهم سياسياً وثقافياً واقتصادياً بالطرق السلمية فسوف يوفرون دماءنا، أما أصحاب منهج العنف والقتل والإقصاء باسم السلالة الدينية أو الطائفية أو المذهبية، فهؤلاء العنيفون هم الخطر على الأمة سواء كانوا باسم الشيعة أو السنة، ومهما تظاهروا بالعبادات، فالخوارج كانوا حفاظ القران وقوام الليل وصوام النهار، فقد كانوا يتقربون بدماء المسلمين إلى الله دون أن يختلج لهم جفن، فلا أمان معهم بوجود الفهم المنحرف.
إننا بأمس الحاجة إلى تأسيس مناهج للتفاهم والحوار والسلم لحل مشاكلنا فيما بيننا، وبمناهج الحوار سوف نكون أقدر على حل مشكلاتنا مع أنفسنا ومع أعدائنا التقليديين، فمشكلتنا الجوهرية ليست مع إسرائيل والأمم المتحدة والقوى الخارجية وإنما مشكلتنا التحدي في فهم أساليب حل مشاكلنا الداخلية قبل كلي شيء.
إننا بأمس الحاجة للتعريف والتربية على مبادئ الحوار والتفاهم والسلام، وحينما يبدأ الناس يفهمونها ستعود الحياة إلى المفاهيم المغيبة تاريخياً من مثل الحرية والشورى والحوار والعدالة والمساواة والتجديد والاجتهاد في فهم الشريعة بما يواكب متغيرات الحياة، وسيجري تيار الحيوية والتجديد وليحل التفاهم والحوار والسلام بين الناس وسيتم دحر كل العنفيين السفاكين للدماء، والمتشددين بدون وعي.
وعلينا أن نتذكر في هذه المرحلة بأن رصيد (الديموقراطية التي ننشدها) هو وعي الناس قبل كل شيء، ومن الخطأ الكبير الذي وقعت فيه الثقافة الإسلامية تاريخياً تعليق الفساد والصلاح بالحكام وليس بالشعوب، وربطت مصير الأمة بالحاكم الفرد الصالح، والفرد الصالح لن يغير أمة فاسدة، بل سيفسد هو، كما لو وضع عمر بن الخطاب في اليمن اليوم ليحكمها لن يعمل شيئاً إذا الشعب غير واعٍ، ولهذا الإمام علي حكم الشعب غير الواعي في العراق فخذله أمام أهل الشام، بل وقتله. ولهذا يجب أن نستوعب هذه الحقيقة، ونبدأ بالتعليم وبث الثقافة الإيجابية وتغيير ما بالنفوس.. وعندما تلتمع هذه الأفكار في المجتمع سيسعد الناس، وينتقلون إلى مرحلة جديدة، كما ودعوا مرحلة الظلام إلى الكهرباء والنور، وسيعرفون قوانين قيادة الإنسان، وصناعة المجتمع، وصنع جهاز القرار في المجتمع، وسيعيشون في نور على نور.
محمد سيف عبدالله العدينى
الحاجة للتفاهم والحوار والسلام 1298