عندما كنا في الدراسات العليا في إحدى الجامعات العربية نلاحظ عميد الكلية يسير في الحرم الجامعي مزهواً معجباً بنفسه مختالاً لا يرى أحداً من الطلاب ولا من أعضاء هيئة التدريس.. كنا نعذره, باعتبار أن قرار تعيينه من رئيس الجمهورية..
وعندما يخبرونا أن الاعتراض على غرامة مالية تطلبها إدارة المكتبة في الكلية نظير تأخير بعض الكتب المنهجية المستعارة في فترة الماجستير, سيشكل لنا مشكلة وسيؤدي إلى ترحيلنا خلف الشمس.. كنا نتفهم ذلك.
وعندما تخبرنا مسئولة الدراسات العليا أنهم كانوا يراقبون كل تلك الأقوال والأفعال وأنهم كانوا لا يخبرون العميد.. كنا نعتبر ذلك شيئاً عادياً في دولة يحكمها نظام الحزب الواحد.. بل إننا عندما نرى بعض زملائنا من أبناء تلك الدولة يهمسون بضيقهم ورفضهم لكتابة أبحاث تخدم نظام الحكم, أو في إطار أيدولوجيته فقط.. كنا نتعاطف معهم.
وفي جامعة تعز قبل الإيفاد للدراسات العليا عندما كنا نرى الحزب الحاكم لكلية معينة يسيطر على نشاط الطلاب واتحادهم العام ويحرم كل من لا ينتمي لهذا الحزب من حق المشاركة الطلابية والاستمتاع بنطاق واسع من الحرية الأكاديمية في إطار المرفق العام التعليمي, بل قد يصل الأمر إلى تفضيل أبناء حزب معين على غيره من الأحزاب الأخرى في التفوق العلمي ومحاربة وجود بعض الطلاب بين طلاب الكلية وافتعال إشكاليات معينة بغرض إحالتهم إلى التحقيق الغير قانوني والذي لا تتوفر فيه أدنى الضمانات القانونية والدستورية.. كنا نبرر ذلك بأننا نعمل في إطار نظام ديمقراطي هش وغير حقيقي.
لكن السؤال الهام الذي نطرحه اليوم هنا في هذا المقال الهام: كيف أصبحت الحرية الأكاديمية وحق المشاركة الطلابية في الجامعات اليمنية اليوم؟.. في تقديري وبدلاً من أن نترك المرافق العامة التعليمية لتعليم أبناء الشعب اليمني قاطبة دون أي تمييز بدا واضحاً لدينا ومن بداية العام 2013 أن هناك صراعاً حزبياً في الجامعات اليمنية وأن بعض الأحزاب بدأت في تنظيم ندوات للتمكين السياسي وهي ندوات سياسية مدعومة من منظمات وهذه الندوات المدفوعة حتى بالنسبة للطلاب وفق عقود تهتم بطلاب بعينهم, لكونهم ينتمون لحزب سياسي بعينه.
إننا لا نرفض الدعوة إلى ندوات سياسية تناقش موضوعاً سياسياً لجميع الطلاب, بقدر رفضنا لندوات مخصصة لطلاب بعينهم يتم من خلالها مخالفة مبادئ دستورية عليا هي: المساواة والعدالة بين طلاب وأساتذة المرفق العام التعليمي.
إن هذا الوضع المترتب على نشاط بعض الأحزاب ووجود صراع سياسي في المرافق التعليمية لا يخدم التعليم في اليمن, بل على العكس من ذلك, يخالف أهم المبادئ الدستورية وهي العدالة والمساواة بين الطلاب من ناحية وأعضاء هيئة التدريس من ناحية أخرى.
كما بدا لنا الوضع خلال الأشهر الأولى من هذا العام مختلفاً تماماً عن الوضع العام الماضي عندما كان هؤلاء الطلاب بعيدين عن أحزابهم السياسية التي كانت لا تستطيع التدخل في الجامعات لأسباب سياسية وأمنية, حيث أصبح الطلاب المنتمون لأحزاب اليوم يستقوون بأحزابهم ويتبعون أسلوباً سياسياً للوصول إلى مصالح شخصية بعيداً عن أسلوبهم الثوري الذي كانوا يتبعونه خلال العامين الماضيين, مما جعل منهم أدواتاً طيعة في أيدي أحزابهم للتدخل في شؤون المرفق العام التعليمي والتأثير على العملية التعليمية بأسلوب يجعلها تتراجع في مستواها إلى الخلف بدلاً من التقدم إلى الأمام.
د. ضياء العبسي
العبودية السياسية 1644