منذ نعومة أظافري لم تعرف طفولتي البريئة سوى مدينة اسمها أبين.. منذ ذلك الحين لم اتجاوز حدود محافظتي بتفكيري, بأحلامي, برحلاتي, بحبي الذري لمسقط رأسي..
لم يشاطرني في حبها أي مدينة أخرى ولم يستحوذ على تفكيري أو يتملك مشاعري وأحاسيسي سواها, عشقت بساتينها, روائحها, بساطة أهلها وبراءة أطفالها, عشقت تربتها, أزقتها, شوارعها, تلقائية أهلها وعدم تكلفهم في أي شيء, لغتهم السهلة الممتنعة التي تغذي الروح وتطرب الأسماع وتستكين لسماعها الأجساد بمجرد أن يتداولها أهلها بطريقة تجعل من يسمعها يتمعن في كل كلمة وحرف ومعنى ويستعذبها ويتلذذ بها..
أبين التي كانت ولا زالت قبلة الزائرين والحاقدين في آن واحد, وغاية يتمناها الطامعون وحلم ينشده النافذون..
في ساحلها الساحر احتضنت رماله قصص العشق العذري وعزفت أمواجه (سيمفونيات) الحب الصادق لامست بها شغاف القلوب وملكت الأحاسيس والمشاعر وخلدت أروع لحظات البراءة والصدق والوفاء.. وبين بساتينها وأشجارها الوارفة الظلال خط الشعراء والهواة والكتاب أجمل كلماتهم وأعذب احرفهم وأصدق مشاعرهم وسكبت أقلامهم مشاعر وأحاسيس عل أوراق أشجارها التي عانقتها بلهفة المشتاق ولوعة المفارق وحنين المحب.
أبين التي تناولتها المحن وتكالبت عليها صروف الزمان وعاث فيها الفاسدون وسعوا إلى تخريبها وتدميرها وإنهاكها ووأدها, حسداً من عند أنفسهم وحقداً على هذه المحافظة التي أنجبت خير الرجال الذين صالوا وجالوا في ميادين الشرف والبطولة والذود عن الأرض والعرض والدفاع عن تراب الوطن الغالي الذي تنكر هو وأسياده لها وجعلوا منها (كبش) فداء وقرباناً قدموه لنار سياساتهم التي أحرقت الأخضر واليابس..
أبين التي نخر الفاسدون ممن (كنا) نحسبهم أهلها وأطفالها والذين رضعوا من (ثديها) حليب الوفاء والإخلاص في جسدها حتى جعلوه هزيلاً بائسا منهكاً, وجعلوا منها لقمة سائغة في فم النافذين والمخربين وحولوها إلى مستنقع فساد وإفساد ونهب وسلب (وفيد) دونما مخافة من الله أو ضمير أو حتى من باب الإخلاص والوفاء لهذه المحافظة التي كانت بمثابة حضن دافئ وصدر حنون احتوتهم في (صغرهم) وساندتهم في(شبابهم) واحتوتهم في لحظات بؤسهم والمهم..
أبين التي للآسف تواطأ وتآمر عليها بعض أبنائها بفسادهم الذي استشرى في مفاصلها ومرافقها واستوطن بين حناياها حتى بات من الصعب القضاء عليه أو اجتثاثه بعد ما بات يسري في دمائها ودماء بعض أهلها حتى وإن (حقنوها) بكافة الجرعات (الكيماوية) ولم يفكروا إلا في مصالحهم وأهدافهم وأنفسهم الأمارة بالسوء..
أبين رغم كيد الكائدين وتربص المتربصين وحقد الحاقدين, رغم أنف من هم محسوبون على تربتك واسمك من أبنائك وغيرهم وممن انسلخوا من الإنسانية والوطنية, ستظلين قلبنا النابض وأنفاسنا المتصاعدة ودماءنا المنسابة.. ستظلين رغم جراحك والآمك ودمارك ورغم عذاب أهلك وظنك معيشتهم وتكدر أحوالهم وضيق دواخلهم, حكاية العشق التي نهفو لسماعها, ستظلين رغم كل شيء أبين التي نعشقها, التي نحبها, التي نتمنى أن نرتقي بها ونلعو بها إلى العلياء.
فهد علي البرشاء
أبين.. حكاية عشق رغم الألم!! 1467