إن الشعوب العربية بثوراتها السلمية فتحت الباب لتداول السلطة بالطرق السلمية وتحت رقابة الشعب، وهذا يتطلب نشر الثقافة الإسلامية الأصولية الأقرب إلى مقاصد الشريعة والأقرب إلى الصواب، ومفتاح هذا الفهم:
أن نفهم معنى الجهاد في الإسلام، فالجهاد لا يعني دوما القتال المسلح، بل يعني استفراغ الجهد، واستنزاف كل الإمكانيات لإنشاء مجتمع العدالة والمساواة واللا إكراه، وأما الجهاد بمعنى القتال المسلح فانه لم يشرع لنشر الإسلام بل شرع لرفع الفتنة والاستبداد والإكراه والقمع عن الإنسان أينما كان، ويسمى جهاد الدفع، فالمجتمع الإسلامي هو مجتمع اللا إكراه، حيث يهرب إليه اللاجئون السياسيون من كل أنحاء العالم، باعتباره مجتمعاً فريداً من مبادئ دينه قبول التعدد في الأديان والمذاهب، وما حصل في العالم العربي قبل الثورات ليس من الإسلام في شيء وما حصل تم بصورة معكوسة جداً. فكل الهاربين هم من العالم الإسلامي بلاد الظلم والقمع للأحرار إلى بلاد الحرية العالم الغربي ، وفهم الجهاد القتالي مرتبط بفهم معنى الفتنة، ومعنى الفتنة هي مجتمع الظلم والإكراه، والإسلام مجتمع {لا إكراه في الدين}<البقرة256>.
والجهاد القتالي شرع كحل إسعافي، مثل الشرطة في المدينة تستهدف لجم بعض المجرمين، والمتمردين على القانون أو المرضى نفسياً، وأما الجهاد القتالي بمعناه العام فهو دعوة لإقامة حلف عالمي لرفع الظلم والإكراه والفتنة عن الإنسان أينما كان، فالجهاد هو آلة مسخرة ضد الظالمين الذين يمارسون الاضطهاد والتعذيب، ويخرجون الإنسان من داره وعقيدته، وقد تسلط هذه الآلة ضد المسلمين ذاتهم حينما يمارسون البغي والظلم والتعذيب والاضطهاد فهي مع العدل ضد الظلم والإكراه سواء جاءت من مسلم أو كافر، إن الجهاد بمعناه المسلح هو أداة خطيرة، ولهذا كان من وظيفة الدولة الا سلامية الراشدة التي وصلت إلى الحكم برضا الناس وليست وظيفة الأفراد والجماعات والمذاهب، وليست وظيفة دولة فرد عائلي تسلطي قمعي، وبهذا يخرج الجهاد كآلة قتالية أولاً: من يد الأفراد المتحمسين باسم الإسلام كما يخرج ثانياً: من يد الجماعات التي تحلم بالانقلابات العسكرية، والإطاحة بالأنظمة ، ولم يكن الخوارج قديما إلا صورة لمن استخدم الجهاد القتالي ضد الحكام بفهم خاطئ، وقد كانوا أتقياء ورعين، ولكن بقدر ما كانوا دمويين إرهابين، كما أنشد شاعرهم عندما هزم في منطقة (آسك) أربعون من الخوارج.. ألفي جندي مرتزق من الجيش الأموي .
أألفا مسلم فيما زعمتــم.. ويهزمهم بآسك أربعونا
كذبتم ليس ذا كما زعمتم ولكن الخوارج مؤمنونا ومع هذا كل تقوى وحماس وجهاد وإخلاص الخوارج لم يشفع لهم، فأعتبرهم العلماء والمفكرون في العالم الإسلامي أنهم كانوا على خطأ وليس على صواب في منهجهم..
إن تراثنا في الثقافة الإسلامية يحتاج مراجعات وإبعاد بصمات المتسلطين والظالمين منها لأنهم جعلوا بعض ثقافتنا تستحم بالعنف منذ المصادرة الأموية، وتوديع حياة الرشد والراشدين، واعتناق حياة الظلم والغي، وتفشي روح الغدر والقتل، والانقلابات والتآمر، فليس بعد الرشد إلا الغي وهنا نسأل لماذا الدولة هي التي تحتكر استخدام القوة لتطبيق القانون العادل ؟
إن ذلك هو مقابل إيجاد الأمن والاستقرار للشعب، فالجيش والاستخبارات وأجهزة الأمن والشرطة ما وجدت إلا لتحقيق وتوفير الأمن للأفراد الذين يعيشون ضمن الدولة، وكذلك القضاء وجد لتحقيق العدل، وإذا خرجت الدولة على العدل والمساواة تحولت إلى دولة استبدادية، وهنا تختل وظيفة الدولة، فتتحول إلى تسلطية تعتمد العنف، و تحكم على نفسها بالفناء، ويصبح مصيرها أنها تقوم بالقوة العسكرية وتنتهي بالقوة العسكرية، ومن أخذ السيف بالسيف يهلك، هكذا مضت سنة التاريخ، وثورات الشعوب العربية قامت لتضع حداً للعالم العربي الذي عاش يُحكم بسيف معاوية حتي اليوم، بعد انطفاء الوهج الراشدي حتى جاءت ثورات الشعوب العربية اليوم..
محمد سيف عبدالله العدينى
عنف الحاكم العائلي وثورات الشعوب 1306