لقد كانت الديمقراطية في العالم العربي قبل ثورات الشعوب على حكام الاستبداد والتوريث تعطى كمنحة مزيفة من الحكام، لأنها إن أعطيت من فوق (منحة) أمكن نزعها بالآلية نفسها، في حين أنها عندما تنبت قوية من الأرض التي يقف عليها الشعب فستستعصي على الاقتلاع، وإن قصت أو حلقت فستعود من جديد كونها مدت جذورها في التربة العقلية للإنسان العربي..
ولهذا فنحن في الواقع قبل ثورات الشعوب لم نشم رائحة (الديموقراطية)، وكان بيننا وبينها بعد المشرقين، والمشكلة أن (الدكتاتورية) لم تكن موجودة في القمة السياسية فحسب بل هي موجودة في أي قمة اجتماعية صغيرة أو كبيرة، في البيت والمصنع، والمدرسة والثكنة والمستشفى، بين الرجل وزوجته، والأب وابنه، والموظف والمصنع، والسائق والشرطي....الخ..
ويظن البعض أن مجرد الإطاحة بالحكام و بالحكومات سوف يتغير الوضع جذرياً، ونتحول إلى (الديموقراطية)، وهذا خيال سقيم، مصدره عدم فهم آليات التغيير الاجتماعي، ولقد انتبه عبد الرحمن الكواكب في كتابه الذي أصدره قبل ما يزيد عن ثمانين عاماً (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) قال بأن التغيير لا يكون ولا يتم وليس له جدوى بتغيير الحكام، والسبب بسيط، هو أن شريحة جديدة سوف تحل محل الشريحة القديمة، ما لم يتغير النظام الأساسي في بناء المجتمع، وهو السبب الذي من أجله رفض رسول الله صلى الله عليه وسلم الملك الذي منحته قريش كثمن للتخلي عن دعوته فتغيير الوضع هو بتغيير البنية التحتية التي تعتمد (نظام الأفكار) وشجرة المعرفة الأصلية اللذين يحافظان على نظم المجتمع وكيفية عمله..
(فالديموقراطية) انقلاب عقلي قبل كل شيء وتربية طويلة وما لم نفطن إلى طبيعة الأشياء فسوف نبقى منتجين للاستبداد والظلم ولابد أن نعلم بأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التغيير تعتمد ليس قهر الخصم ولي ذراعه وتطويع إرادته بل اقتحام قلبه والالتقاء مع إرادته فهذا هو جوهر الطريقة اللا عنفية في المواجهة، وما نريد أن يحصل هو التقاء الإرادات لتتكامل لا لتتصارع وليس تحطيم الواحدة للأخرى فليس هناك غالب ومغلوب أعلى وأدنى، ربوبية وعبودية، بل يجب أن ننطلق من أننا بشر متحابون متفاهمون ومتساوون وهذا هو المنطلق الذي نريده للقوى السياسية ولأعضاء مؤتمر الحوار الوطني أن يضعوه نصب أعينهم.
محمد سيف عبدالله العدينى
الروح الديمقراطية 1361