تجليات ما بعد الربيع العربي هي تجليات نحو الحرية، الحرية السياسية، الإعلامية، الاجتماعية، المعرفية...الخ. دون إخضاعها لشرط أو قيد.. والأفاق الجديدة للحريات قد تفضي الى عجز الأحزاب عن استيعابها فيما لو تم الاستيلاء على الحكم والسيطرة عليه، وعلى هذا فإن إسقاط الأنظمة العصبوية العائلية ليست نهاية المطاف.. بقدر ما يكون الأمر بداية المشوار، مشوار استعادة هيبة الدولة وبناء الدولة وإعادة صياغة جميع الرؤى الاجتماعية والتعليمية والثقافية للدولة والمجتمع لإنتاج منظومة متكاملة للبناء والنهوض والوصول الى التجدد والشهود الحضاري .فأمامنا مرحلة طويلة ومهمة شاقة يجب ان تتكاتف فيها الجهود حتى تنزاح من اذهان الناس فكرة الاستقرار بالاستبداد.. وتعزيز الاستقرار في ظل التعدد الديمقراطي والحريات والحقوق العامة.. فما بالكم بمجتمعات ما زالت قبل الربيع العري وتجلياته ،فهنا أحاول توصيف مجتمعات ما قبل الربيع العربي وجدت ان مجتمعات ما قبل الربيع العربي لا تقتصر على فئة معينة بقدر ما تتمثل في حالة أو مرحلة، وقد تذهب إلى أبعد من هذا التوصيف بسبب اختلاف التطورات النفسية والفكرية للمجتمعات العربية ومدى قربها وبعدها في الخوض في الشأن العام.. وقد تشمل أيضاً تلك الفئات التي استغلت انشغال مجتمعات الربيع العربي بإسقاط الأنظمة وحاولت الاستحواذ والتملك وتوسيع رقعة مشروعها كجماعات عنف ،كتنظيم القاعدة (أنصار الشريعة)والحوثيون.. وتلك التي تحاول فرض فكرها بالقوة على المجتمع وتحت ضغط السيطرة.. وتتعد مجتمعات ما قبل الربيع العربي لتشمل تلك الفئات التي لازلت تفقد الاستعداد للحرية ومازال جهازها المفاهيمي يعاني وطأة السلطات الحاكمة وطأة العادات والتقاليد من أعراف وسلطات اجتماعية تمنعها من التغيير، ولديها إحساس خفي بالطمأنينة النابع من الخضوع، وجوهر هذا الإحساس فقدان الثقة بالنفس وعدم الرغبة في تحمل المسئولية عن أنفسهم عوضا عن من حولهم ..وهي أيضا أسيرة ذلك الغرام )فقدان الحرية)الذي انعكس على تطورها النفسي والفكري فأختل لديها عالم الضرورات وعالم الحاجيات ،وتؤمن بحاجة واحدة(البقاء)ولكنها تكبح حاجات أخرى.. وفي رهان مؤجل في سبيل واقع محايد وفكر اكثر حيادا ..هذه الفئة من مجتمعات ما قبل الربيع العربي لم تقف أمام التغيير ولم تسانده ونطلق عليها فئة (الصامتين)
كما نجد فئة أخرى كانت أكثر وضوحا لمجتمعات ما قبل الربيع العربي وهي التي تربطها مصلحة أو منصب مع الأنظمة والتي راهنت في مواجهة الربيع العربي خوفا على مصالحها وامتيازاتها وعملت على قيادة الثورة المضادة.. وما شابهها من فئات لا ترى لها في المستقبل أي تحقق إلا باستمرار الأوضاع على ما كانت عليه.. وفئة أخرى قد اطلق عليها فئة (العوام) والتي جاوزت حكمها على عناصر الزمن الثلاثة فهي مغرمة بالماضي سلبية في الحاضر، متشائمة من المستقبل ..وتعتبر ادنى فئات مجتمع ما قبل الربيع العربي
أما من حيث أن المقصود بمجتمعات ما قبل الربيع العربي (حالة) أو (مرحلة) فقد تتمثل وتتفاوت نسبيا في وجوده، وقد نلاحظها في التصرف خارج نطاق الذات، جهل بماهية الإرادة لم تتجاوز حالة البقاء الجثماني إلى معركة أداء الرسالة ..وفي حالة الانتماء الشكلي للكيان في لحظات الحياة المختلفة التي تكرس حياة الطفولة الفكرية وتوطين حياة السكون المأسورة لثقافة الكيان التقليدي والتي تحاصر اللحظة الحياتية الحرة التي يقرر فيها الفرد حسم خياراته.. وتبعد صاحبها عن توطين الانتماء للحق في كل لحظات الحياة المختلفة.. وحتى تتضح هذه النقطة جليا، فمجتمعات الربيع العربي خاصة فئة(الشباب)كانت متحررة من الانتماءات الشكلية للكيانات التقليدية، ووطنت نفسها على الانتماء الجامع للحق المتمثل بالحرية والعدل والمساواة، والذي جعلها جاهزيات أتقنت الاقتحام والتغيير.. فصار الخلاص من الأنظمة العائلية جزء من أداة انتماءها الجامع وإعادة منظومة التغيير.. في حين لازلت الأولى عكس ذلك.
ويمكن القول إن العلة الرئيسة في مجتمعات ما قبل الربيع العربي (علة المخاوف) أو ثقافة المخاوف، فحينما أصبحت المخاوف هي الاطار المتحكم بها جعلتها في إعاقة دائمة ،فتعددت حالات الخوف لديها الخوف من السلطة، من المجهول.. الخ، حتى استوطنها الضعف والجبن.. والفرق بينها وبين مجتمعات الربيع العربي أن الأخرى كان لها تراكمها المتحرر من المخاوف الموطن بالحرية فتعزز لديها الأبداع وفلسفة الهم والشهود الحضاري..
أحمد الضحياني
مجتمعات ما قبل الربيع العربي 1529