تطلّ علينا الذكرى الثالثة والعشرون لإعادة تحقيق الوحدة.. وللعيد طعم آخر.. ونكهة أخرى.. فهذا العيد يجيء وفي استقباله مشاعل الثورة ونسائم الحرية ومصابيح الأمل بغدٍ أفضل.. بعد أن كان يجيء سابقاً على صخب الاحتفالات الزائفة والخطابات المكررة والممجوجة والتباهي بإنجازات وهميه يكذبها ويلعنها الواقع المؤسف.
باختصار كانوا يحتفلون ويغـنون ويرقصون على هامش جراحاتنا وأوجاعنا ورغم ذلك كان كثير منا يفرح ويرقص كطيرٍ يرقص مذبوحاً من الألم, فقد كان الشعب, أو أغلبيته, ومازال بعضه مخدراً بالوهم والجهل, يغني مع المغنين ويصفق مع المصفقين.
وقد قلت مرة في أحد أعياد الوحدة:
**نحن شعب الضجةِ.. وملوك (الهدرةِ)
نحن في إعلامنا.. وضعـُنا في الــقمـة
ليس للفعل مكانٌ.. أبـداً في دولتي
كل إنجازاتنا.. مـنذ يـومِ الــوحــــدةِ
كـلها نجمعها.. كــــذباً في حـــــفـــلةِ
ونغني بابـتـهاج.. فـرحاً بالـكـذبـــةِ
هكذا نحن مضينا... في دروب العزةِ
ووصلنا بعد جُهـدٍ.. لعميق الحــفرةِ
** ** ** ** ** ** ** *
والآن ماذا تغير؟.. لا أدعي أنّ حالنا قد تغيّر 18 درجة وأننا قد أصبحنا نعيش في بحبوحة من العيش.. كـلاّ.. ولكني أقول إنّ الثورة قد غيرت مفاهيمنا وغيرت نظرتنا للوطن والحرية بعـد أن سَرت شرارتها في دمائنا وسرى ضوئها في زوايا أرواحنا.. (الحرية- التغيير- العدالة- المساواة- الحقوق) وكل مفاهيم الدولة المدنية صارت مطالب نسعى لها ونضحي من أجلها.. لا شعارات نتغنى بها في إذاعاتنا واحتفالاتنا ونحن في الواقع لا نستطيع ولا نجرؤ ولا نفكر في تغيير مدير مدرسة, ناهيك عن محافظ أو وزير أو أكبر, هذا غير الفساد الذي نراه ينخر في كل مفاصل الدولة وينهش في أحلامنا ويسلبنا أبسط حقوقنا ونحن ننظر له إما صامتين أو مصفّـقين..
ولكن الثورة جاءت لتقول لنا أنّ كل شيء ممكن وتـُعلمنا أن نقول (لا) بملء الفم.. صحيح أنها لم تحقق لنا بعد اكثر من عامين كل ما خرجنا من أجله.. لكن الصحيح أيضاً أننا وضعنا أقدامنا في بداية الطريق ولن نتراجع.. وما مؤتمر الحوار الذي دشن قبل شهرين في 18 مارس إلاّ إحدى ثمار هذه الثورة.. والذي نتمنى أن يكون بداية الطريق الصحيح لحلحلة مشاكل وهموم البلد المتراكمة جرّاء سياسة الإقصاء والتهميش والاستبداد والنهب وغيرها من السياسات والممارسات التي أوصلت الوطن إلى ما هو عليه من التشتت والضياع وحالة الانهيار.
*مضى عامٌ وما بلغت.. مُنانا الغاية القصوى
ولكّنا هدمنا في الــ... جدار الجانب الأعتى
وأشعلنا بوجه الليل... شمعة فجرنا الأولى
ليهتز المدى طربا...لصوت نشيدنا الأغلى
(من قصيدة لي بعنوان ميلاد الضوء في دمائنا)
واليوم وبما أنّ الوحدة تتعرض لمحاولة اغتيال ووأد.. ويتناهشها الأعداء في الداخل والخارج.. يتوجب علينا أن نكون عند مستوى المسئولية في الدفاع عنها.
وبما أننا قد بدأنا أول الخطوات في طريق الحوار الوطني فإنّ أهم القضايا المطروحة أمام المتحاورين: القضية الجنوبية والقضية الشمالية, أو بمعنى أصح قضية الوطن شماله وجنوبه, هذا الوطن الذي ذُبـِح من أقصاه إلى أقصاه في ظل نظامٍ شوّه كل شيءٍ جميل في حياتنا ومن ضمنها هذه الوحدة المظلومة والتي يحملونها ممارسات وأخطاء بعض الأطراف وهي منها براء.. وحيث أنّ الثورة قد أزاحت كثيراً من المعوقات وهيّأت أجواءً ملائمةً لتضميد الجراح.. آمالنا أن يُعاد للوحدة اعتبارها والقيمة المعنوية الكبيرة لها وأن يعود القـُها والمعنى الجميل لها..
شــــرفة :
فلتفسحوا الطريق للمياه
كي تسير
في شوارع القلوب
تغسل في طريقها
الأحقاد.. والرماد
والإحن
وتزرع القمــر
وكي ينادي الحب
في القلوب الظامئات
للحياة:
حي على الوطن
حي على الوطن
جلال الحزمي
22مايو.. للعيد طعم آخر 1834