لست آسف على شيء كما آسف للمثقف الذي يحاول جاهداً الركض وراء سراب ليقنعك بالتخلف ويجاهد نفسه من أجل تزيين الوهم الذي يعيشه في حالة ترثى لها ويقدم نفسه بطريقة ممجوجة معبراً عن الصنمية أو فكرتها أو يتحدث عن الانفصال وكأن الوطن ملك خاص له ولمن كلفه بدور منظر للشقاء والبؤس .ولسنا نعرف زمناً تاه فيه المثقف وارتهن بقوة كما هو اليوم حاصل، وقد سار وراء رغبات وأهواء قوى اللا منتمي المنساقة في الحقد والكراهية وبما تنضح من بؤس وعقم فكرة وجفاف مشاعر، ومثل هذا المثقف الذي يتوغل بقوت يومه في استحضار الكراهية ويعمل على تعميمها وجعلها مشاعاً ،لا ينظر للوطن إلا باعتباره شخوصاً هم كل شيء ما داموا يمدونه بشيء من الفتات ويمهدون له طلعات سياحية الى هذا البلد أو ذاك ليمكث في فندق أسبوع أو أكثر ويعود حاملاً لواء الفرقة والانقسام والدعوة إلى المناطقية والتعصب ويتبناها لدرجة ترثى لحاله وأنت تتابعه ،وتسأل أي رخص في هذا المثقف الذي يقدم نفسه إلى العمالة والخيانة دونما مراجعة ضمير ؟ وأي زمن أغبر يقع فيه بعض المثقفين ؟الذين نراهم يعبدون أصناماً ومراقد وحياة جحيم ويكشفون عن ضمير منهزم ورغبة في القهر واستعداد للارتزاق على حساب شعب وتاريخ وحياة ووطن يقاوم كل مظاهر الاستلاب ويصبر على الألم ويحاول النهوض رغم المؤامرات التي لا تحصى ورغم تكالب قوى الظلام والقهر والاستبداد التي تريد أن نظل في الظلام مالم تكن هي المتربعة على عرش الاستبداد والجماهير عبارة عن رعيتها لا يحق لها أن تطالب بالحرية ولا الخروج من براثن الماضي .
ولعل مثقف بهذا الروح الهزيلة غير جدير بالاحترام ونرى إليه أنه أحد أوكار التخلف وهو أخطر من غيره من القوى مهما كانت ظلامية لأنه مثقف تبريري يزين القبح ، ويمنتج التخلف، ويصور الظلام نوراً, والجحيم حياة . ولا يبالي كيف يقع الوطن بعدئذ لأنه فقد القدرة على الانتماء والحب وصار بائعاً لقيم ومتاجراً بالحرف وممتهناً للسيء من القول .
هذا المثقف هو الخطر الذي يجب مكاشفته وفضحه والوقوف أمام تخريجاته والرد عليه بما يمليه الواجب الأخلاقي والوطني, فهو وحده من يمارس السطو على أحلام الجماهير وهو وحده من يغريه بريق المال ومن ثم يقدم بجسارة على طرح لغة ليس فيها حياء وعلى استعداد لأن ينافق كل ما يقع عليه مادام يمنحه ولي نعمته فتات مال وبقايا مائدة .هذا المثقف عدواه مقيته وصاحب ظلال، وهو من يفتح أبواب الشقاء حين يغدو صائغ مواقف مسبقة, فتراه تارة يلهث وراء شخوص وأخرى وراء دول تريد الشر باليمن وأهلها، فيروج ولا يبالي للفوضى والمذهبية والانفصال، ويعمل على تهويل القضايا ويجعل من الوطن مصيبةً ومن القادم كارثةً مالم تنتصر قوى مأجورة تعبر عن هيمنة خارجية .
ومما يبعث على الأسف والألم أن يكون البعض مثقفاً ليبرالياً ويرابي في حق البلاد والعباد هو من يقف مع مصالح الأجنبي على حساب الوطن وبأسلوب لا تجد فيه قيمة أخلاقية غير الإفراط في الارتهان الى أبعد مما تم تكليفه به من باب المزايدة وجزيل العطاء .هكذا نرى إلى مثقف لا منتمي وليبرالي مرتهن أنه إبليس في رؤاه وأفكاره لا يردعه شيء للوصول إلى ما يحقق رغبات الارتهان .ويجري جري الوحوش في البراري ليخلق مساحة تناقض في الوسط الاجتماعي باسم الحرية والليبرالية وهو أبعد ما يكون منها، وحين تتفحصه وتقف عليه تجده كثير الرحلات والزيارات للخارج وصاحب تعهدات لا وطنية عليه أن يقوم بها فيغرق في كلام الكراهية ويتخشب أمام الجمال ولا يعرف تقوى قلب .ويغدو بفعل تجرده من هويته ،شخصيةً تحتضر من أجل مصلحة ذاتية, لذلك هو من يكرس العبودية في المجتمع وهو من يقف مع الزعيم وغيره وهو طهراني مساءً وانفصالي صباحاً ومناطقي بقية يومه وعلى هذا المنوال يتجه الى مقاصد غير نبيلة والى اتجاهات يصلي لها ويتعبدها والى شخوص يدعو لهم بالنصر والسداد والقيادة والولاء والى مراقد يرى فيها مستقبل شعب وانتصاراً للمظلوم وحرية ينبغي أن تتجسد في ولاية فقيه أو آبن عمه . وهكذا ليبرالي علماني شيعي قاعدي مناطقي متحجر متعصب ،مع حقوق الإنسان حين يرى ذلك امتداداً للتعصب ومخرجاته ،وضد الحريات والحقوق حين لا يجد من يقذف له بالفاسد من المال ممثلاً في مجتمع مدني أو غيره ،وهو مع الصندوق والديمقراطية والدستور متى كان ذلك في حوزة كبرائه ومن يدعو لهم بالخير العميم ،وضد الديمقراطية واعتبارها مؤامرةً وتزويراً وخيانةً حينما تصعد قوى الجديد والتطلع إلى مواقع بجدارة وصلت إليها ،وليته يمارس حقه في التعبير بصدق فينتقد السلبي ويمقت التخلف ويدعو إلى المواطنة المتساوية والشراكة في البناء لكان مثقفا طليعيا نحتاجه ونفاخر به لكنه هنا ليس إلا ذيل للقوى المتربصة بالوطن وصاحب كلمة غير سواء وداعية كراهية ومناطقية وانفصال وزعامة وما إلى ذلك من عناوين تبرز مع كل كلمة يصيغها . ولعله من محاسن ثورة التغيير أنها كشفت أقنعة لمثقفين طالما اعتبرناهم قوى نضالية تؤمن بالحرية وتدافع عنها ومستعدة لتقدم حياتها في سبيل ذلك وكنا نعجب بهم وجرأتهم وقدرتهم على مواجهة النظام السابق حتى إذا ما حصحص الحق وجرى التغيير في الاتجاه الذي يرفض ويزيل التوريث والظلم والفساد رأينا الذين كانوا شجعاناً في المواجهة سابقاً وقد تحولوا إلى قوى ضارية تدافع عن النظام السابق بقوة وترفض التغيير وتتعبد شخوصاً وتترهبن في محراب الزعامة وترفض أي مساس بسلطتها وتراها الأمن والأمان وتنتقد كل ما يقف مع التغيير وتراه متآمراً على وطن، وهي في كل هذا تتعذب على نظام سابق ومستعدة من أجل خاطره أن تتبنى كل عمالة وارتهان لنقع على قوى من المثقفين تمتهن نفسها أولاً قبل الوطن ،وترتهن لأشخاص وتتآمر على بلاد حتى أننا نكاد نقول: إنها من خلال مواقفها السابقة واللاحقة لم تكن إلا مجندة لكشف القوى النضالية والفاعلة وإنها كانت ذات مهام خاصة بتقارير تجيدها يوم أن كانت تعارض النظام بجرأة نحسدها عليها وتخلت عن ذات المواقف لتدافع بلا هوادة عن النظام ضد الحرية والحياة والمستقبل والحقوق الإنسانية .
هكذا البعض من المثقفين ليسوا سوى حزم ورزم مع الأسف الشديد.
محمد اللوزي
مثقف يركض وراء سراب ليقنعك بالتخلف 1547