المرحلة الرابعة من3 يونيو(حادثة دار الرئاسة) وحتى18/سبتمبر(مجزرة كنتاكي وحي القاع) مرحلة التدافع والصمود
تعتبر هذه المرحلة مكملة لما قبلها وتستمد منها مقوماتها وجذورها، كما برزت في هذه المرحلة سمنة التدافع، والحياة الاجتماعية كادت أن تكون صعبة بسبب قطع نظام(صالح) للمشتقات النفطية على المواطنين وبيعها في السوق السوداء وفرض عقاب جماعي على الشعب اليمني، وعلى الرغم من ذلك لم يستطع النظام كبح جماح الثورة.. ومثلما يكون التدافع بين الحق والباطل فإنه يكون بين أهل الباطل أنفسهم فقد يدفع الله ظالم بظالم ويدفع بعض الظالمين ببعض، وهكذا تحافظ المجتمعات على حيويتها ونمائها، ومثلما كان الثوار في هذه المرحلة يحيون سنة التدافع بينهم وبين نظام(صالح) كان هناك(مرجام غيب) أودى بصالح وأخرجه على إثرها إلى السعودية.. كما انتقلت الثورة في هذه المرحلة إلى مربع التكامل والاستكمال وذلك لا يعني أن وجودها في هذا المربع يبعدها عن المربعات الأخرى وإنما تتداخل المربعات لتكتمل المساحة وتتم السيطرة والتحكم، وكما يقول أصحاب النظم أن القوة هي التحكم والسيطرة فكان قوة الثورة في هذين العاملين.. فيما عزى قيادات في الثورة أن حصول الانتفاع في العمل الثوري في هذه المرحلة كان رهن وجود نفسية منفتحة لدى كل مشارك يفهم نسبة الصواب في أكثر المسائل المبنية على مراعاة الواقع وأثر الظروف المختلفة في تنويع الخطط والمواقف وابتكار الوسائل دون ادعاء احتكار الصواب، ومن ثم كانت الحركة الفكرية والثقافية المتصلة بالمنتديات والبرامج في الساحة عوامل مهمة في تطوير التربية الثورية للثوار مع مطالعة منهجية ترسم الصورة الواضحة لمسار الثورة، كما لا ننكر أن مثل هذه العوامل أعطت برمجة جماعية لكافة المعتصمين وأثر نفسي أدى إلى التفاؤل والمثابرة نحو إتقان تقنية التصعيد والفعل الثوري نحو النصر بعيدا عن الارتجال، ويمكن القول أن خروج(صالح) من اليمن بغض النظر عن الطريقة التي خرج بها كان نصرا نفسيا للثوار.. في هذه المرحلة كان هناك سؤالا يطرح نفسه على الثوار في الساحات والميادين "كيف يمكن تحقيق الاستمرار والصمود والتواجد المتماسك كثورة؟ وما هي الخيارات الجديدة؟!".
لقد كانت الرؤية واضحة للثوار من حيث الآليات والوسائل كأساليب لمواجهة الظلم، فكلمة الحق هي السلاح الأبدي الذي يمكن حمله في جميع المستويات والأحوال والظروف على مر الزمان، وتحقيق المفهوم الثوري كان رهن وجود نفسيات تجتاز العوائق وتنتقل بالفعل الثوري باتجاه الخلاص من النظام، فكانت المظاهرات والمسيرات الثورية حالة طبيعية اقتضت التصويب والتصعيد.
تجاوزت الثورة في هذه المرحلة الحالة الهشة للثورة المضادة، فالجاهزيات المتميزة من الأحرار والحرائر لما تتمتع به من ذكاء وشجاعة استطاعت أن تمد الثورة بالعديد من الجاهزيات الجديدة والمثابرة والقادرة على التفعيل والعطاء، فكان لهذه المرحلة سلسلة من الانتقالات من مربع الاستمرار إلى الصمود إلى التصعيد واكتشاف المتاح وتوطين الحس وربطه بالله عز وجل بصفة مطلقة، فكان شهر رمضان بما يمثله من مضمون طريقة جديدة لمد الثوار بالطاقة الإيمانية والقيمية نحو مواجهة الظلم وتحقيق الخلاص.
برزت أيضا في هذه المرحلة فكرة(الحسم الثوري) كفكرة عامة لها تفاصيلها وآلياتها كان لابد على الثوار الالتفات إلى شروط الحسم التي يقولها(الراشد) أنها مقيدة بشرطين:
1- كفاية القوة عددا ونوعا بمقدار يرجح الفراسة معه ضمن النجاح.
2- ملائمة الظروف بحصول وعي لدى قطاعات واسعة من الناس وقناعة بضرورة التغيير وإرباك المستبد وغفلته وتنامي الإحساس بوطأة الظلم أو الكبت السياسي أو الفوضى الاقتصادية.. بحيث يتجاوز التصعيد الفورة العاطفية وتحقيق الصمود.
واجهت الثورة في هذه المرحلة ثلاثة أنظمة:
1- نظام "صالح" بكافة منظومته العصبية البشعة.
2- النظام الإقليمي "موقف بعض دول الخليج العربي".
3- النظام الدولي حيث كان الموقف الدولي ركيكا جدا تجاه الثورة في اليمن ويعزو البعض سر ذلك إلى أن دوائر القرار في المجتمع الدولي لم يلفت انتباهها طبيعة الثورة في اليمن ابتداء من التشكيلات المكونة للثورة وانتهاء بعوامل التأطير ونشاط الثوار في عملية التجميع والتصعيد.
إنجازات هذه المرحلة:
• استطاع الثوار التماسك والصمود رغم العقاب الجماعي الذي فرضه(صالح) ونظامه على اليمنيين في مجال المشتقات النفطية وانقطاع الكهرباء والمياه وانعكاساتها على الحياة العامة.
• مثلت حادثة تفجير دار الرئاسة(نصر نفسي للثوار) على الرغم أنهم مرجام غيب لا يعلمه الثوار فيما اعتبر آخرون أنه أخر مسار نصر الثورة.
• توسع عدد ساحات الثورة اليمنية حيث بلغت(27) ساحة منها(14) في محافظة تعز و(4) في إب.
• بفضل سلمية الثورة منحت لجنة نوبل جائزتها للسلام للرائدة في الثورة السلمية اليمنية والصحفية الحقوقية(توكل عبدالسلام كرمان) واعتبر ذلك تكريما لثورة الشعب.
• أجبر الثوار بصمودهم وصبرهم وجهودهم السلمية المجتمع الدولي النظر إليهم وإلى عدالة قضيتهم.
. انضمام العديد من القبائل اليمنية للثورة وفرض حمايتها للمعتصمين في مختلف الساحات.
• استكمال بناء قواعد الثورة(المجالس الثورية والوطنية) في المحافظات.
• تشكيل المجلس الوطني لقوى الثورة وهيئته التنفيذية وتدشين مشروع التصعيد والحسم الثوري.
• تجاوزت الثورة الجدل المتعلق بالهوية الجيوبولوتيكية لليمن وهذا ما قرب الكثير نحو طبيعة الدور الحقيقي للثورة
• طور الثوار مدركاتهم الفكرية والسياسية على الصعيد الإقليمي والدولقبإلى المستوى الذي أضحى فيه فهم معنى أن اليمن مرتبط بالأمن القومي العربي وعلى وجه الخصوص الخليج.
12) كشفت المرحلة هذه من الثورة المقدار الهائل من الحشود النسوية الثورية في مختلف أنحاء اليمن.
أحمد الضحياني
الثورة الشعبية في اليمن.. قراءة في المسار المرحلي 1536