إنه لِعظم النقد الذاتي عند الله.. أقسم الله بالنفس اللوامة مقرونة بعظم يوم القيامة ، فقالي تعالي :"لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفيس اللوامة" ، والنقد الذاتي وقبوله من الاخرين هو أداة رائعة لتصحيح الأفكار والأعمال وتمحيص الحقائق ، ولنمو توازن الذات ونضجها ، و لا يذم النقد إلا اذا صدر عن متصارعين وخاصة على الزعامة ا...و بين صراع الأقران أو في التنافس الانتخابي..
والنقد ليس كما يخيل للبعض أنه أداة نهش وتجريح بين المتصارعين والحاقدين على بعضهم البعض وإنما هو دليل وعي ومحبة وحب للحق والتغير إلى الأفضل ، ولهذا كان علماؤنا –سابقاً- محقين حينما عكفوا على إنتاج علم رائع لتمحيص الحديث الذي كان يستخدم من الفرق المتصارعة كأداة في حرب الفرق المتصارعة عموماً وبين الأسر الحاكمة خصوصاً ، فأسسوا علماً في إطار (النقد الذاتي) ، أعطوه لقب علم الجرح والتعديل بدون ما يكفر بعضهم بعضا ، والقرآن أنفرد بمصطلح غفلنا عنه ولم نستخدمه حتى اليوم وهو (ظلم النفس) ، فعشرات الآيات المتناثرة تؤسس معنى يمشي في اتجاه واحد هو أن الظلم في تجلياته العظمى هو (ظلم الإنسان لنفسه) أكثر من ظلم الآخرين، أو من أي جهة خارجية {فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (9) سورة الروم ..
وهكذا يكشف الله الغطاء عن أعظم سبب للفساد والإفساد وهو غياب النقد البناء وآليته العملية الإدارية وتضخيم تقديس الأشخاص.. إن سبب الفتن والصراع والاستعباد والقابلية للاستعمار هو داخلي بالدرجة الأولى، وعندما شعر نبي الله (يونس) عليه السلام أنه غرق فجأة في بطن الحوت، توجه باللوم إلى نفسه {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (87) سورة الأنبياء.. إن معظمنا اليوم عندهم استعداد للبحث دون ملل في توجيه اللوم ضد الآخرين وفي كل اتجاه، والبحث عن الأعداء الذين يقفون خلف عجزهم العلمي والفكري والسياسي والاقتصادي ، وليس عندهم استعداد للوقوف لحظة واحدة للتواضع والمراجعة و التشخيص والعلاج لهذا السرطان المرعب (مرض الكبر والاستعلاء وظلم الإنسان لنفسه) ، وهذا المرض و التوجه ، يخترق كل طبقات التفكير، والشرائح الاجتماعية والمجموعات الفاعلة، في الساحة الاجتماعية، فالفرد يلوم الأفراد الآخرين ، المتسببين في وضعه ، الذي لا يعجبه، فإذا رسب الطالب في الامتحان، لام الأستاذ أو الأسئلة الصعبة، أو الحظ السيئ ، أو الشيطان الرجيم، وعندما تفرغ الجعبة من كل تلك الأسلحة التبريرية ، يبقى في اليد السلاح الأعظم، الذي لا يرد، وهو السلاح نفسه الذي عمد إليه الشيطان، في تبرير خطئه، واستعمله فيما سبق "فبما أغويتني" "الأعراف16" ، فيتم التوجه إلى الإرادة الإلهية، التي هي خلف هذا الفشل، وهو سلاح يخدع الكثيرين، أشار إليه القرآن الكريم ، على لسان المشركين، الذين أرجعوا شركهم إلى الإرادة الإلهية "لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا" (148) سورة الأنعام ، وهذه العادة المعيبة تصعد من مستوى الفرد إلى الأسرة ، فالقبيلة أو الجماعة أو الحزب ، نأمل أن تكون النخب قد اعتبرت من ثورات الشعوب وبدأت تحدث تغيراً في مناهجها ووسائلها وتقبل ممارسة النقد..
محمد سيف عبدالله العدينى
المراجعة التصحيحية بين النقد والنفور منه 1420