ثورة الربيع العربي في اليمن أخذت طابعاً يختلف عما آلت إليه الأمور في بقية دول الربيع العربي كونها توجت بالمبادرة الخليجية والآلية التنفيذية والتي قضت بتنازل النظام السابق عن السلطة وإحلال الشراكة والتوافق بين جميع التيارات السياسية والمكونات المختلفة في حكم البلاد خلال الفترة الانتقالية و اختيار رئيس توافقي تمثل في شخصية الرئيس هادي ليقود زمام البلاد حتى شهر إبريل 2014م .
التوافق والشراكة هما عنوان المرحلة الحالية ابتداءً من الانتخابات الرئاسية في 21 فبراير 2012م وحتى نهاية المرحلة الانتقالية, وهذا يقتضي بالضرورة إشراك الجميع في إدارة البلاد والاستفادة من جميع الطاقات والقدرات الفاعلة في جميع المكونات السياسية والثورية, ولكن بعض النفسيات التي تعودت على الاستحواذ وعدم القبول بالأخر والاستفراد بصنع القرار وإدارة البلد بعقلية فردية مشخصنة مبنية على المصالح الذاتية على حساب مصالح الشعب المغلوب على أمره عقود من الزمن وهو يرزح تحت وطأة حكم دكتاتوري قمعي مستبد لمدة 33 عاماً أوصل الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي إلى أسوأ الحالات في الفترة الماضية..
ومن بوادر الحكمة اليمنية أن الثوار في اليمن لم يسخروا جهدهم – وكانوا قادرين – على استبعادهم أثناء الفعل الثوري من كل المجالات وعدم ترك الباب مفتوحاً أمامهم ليبقوا على قواهم السياسية, كما حصل في بقية بلدان الربيع العربي وليبيا أو تونس أنموذجاً, وإنما قضت الثورة المباركة برحيل الأسرة الحاكمة للمخلوع ومن كانوا يسيطرون على مفاصل الدولة بكافة أشكالها المدنية والعسكرية , أما المؤتمر الشعبي العام كمنظومة سياسية فلم يستهدف ثورياً بل بالعكس حرص الجميع على بقاء المؤتمر كشريك فاعل في الساحة السياسية في المرحلة القادمة.. وهو ما جعل التغيير في اليمن يتميز عن غيره من البلدان الثائرة في المنطقة العربية...
وكما يقول المثل الشعبي "قطع العادة عداوة" و"الطبع غلب التطبع" , فوجئ الجميع بأن المرض الخبيث الذي عاني منه المؤتمر الشعبي العام خلال الفترة الماضية مازال نشطاً ولم يعِ الدرس جيداً ويؤمن بمرحلة جديدة لا تسمح بالاستحواذ والاستبداد السياسي وإقصاء الأخر .. فاليوم الكثير يراقب بقايا النظام وهي تشد من إزرها وتحاول إعادة تماسكها وإعادة الجميع إلى المربع الأول وهذا يدل دلالة قاطعة على أن المرض من النوع الخبيث ويجب استئصاله كلياً إذا عجز العلاج الراهن وهذا الخيار سيظل مطروحاِ أمام قوى الثورة في حال استنفذت كل الوسائل الممكنة لإعادة تأهيله من جديد على ديمقراطية حقيقية وتداول سلمي للسلطة وبناء دولة النظام والقانون على الجميع..
فما يحصل في تعز كمثال حي على ذلك هو خطة مدروسة للحفاظ على الوضع كما هو عليه وبقاء القتلة والفاسدون في مناصبهم ومنع التغيير حتى الانتخابات المقبلة ليكون ذلك مكسباً سياسياً لهم في المنافسة القادمة في 2014م والمشكلة أنهم يجهلون أن الشعب قد لفظهم وخرج بالملايين من تلقاء نفسه يطالب بإسقاط نظام المخلوع وزبانيته في كل المحافظات ومنها تعز قائدة الثورة والتغيير..
وهو الأمر الذي يحتم على الثورة أن تبقى مستمرة وجذوتها متوقدة حتى رحيل جميع الفاسدين المحسوبين على المخلوع وبقايا نظامه البائد وعلى هؤلاء أن يعوا أن عجلة التغيير قد دارت ولن تعود إلى الخلف أبداً ولن يقبل اليمنيون بعد اليوم بالنظام السابق من طراز جديد أو خرج من الباب ليعود من النافذة , فقد أصبح جزءاً من الماضي الأليم وأن الحلم بعودته ضرب من الجنون أو قل قلة العقل لأن دماء الشهداء ستبقى حية في عقل وقلب كل وطني غيور على بلده وأن الأحرار من أبناء المؤتمر الشعبي العام هم اليوم في مقدمة قادة البناء والتغيير لبناء دولة مدنية تحتضن الجميع وتوزع خيراتها على كل أبناء هذا الشعب العظيم..
والله من وراء القصد.
محمد صالح الرميم
توافق أم إقصاء؟ 1359