لم يكن يوم الأحد 29 /5/2011م يوماً عادياً في تاريخ تعز, بل كان يوما استثنائيا.. حرائقياً احترقت فيه القلوب والأرواح قبل الساحة وقبل الخيام.. كان يوما محمّلاً بالدم والدموع ونداءات الاستغاثة.. مؤشر الجنون والحقد الصالحي ارتفع إلى أعلى مستوياته.. قـّوات الأمن والحرس العائلي وتوابعهما من البلاطجة نفذوا الجريمة الكبرى بحق تعـز.. لكن لماذا هذه المحرقة وما هو الجـُرم الذي اجترحه شباب الساحة في تعز؟.
ظلّ مطبخ الأمن القومي العائلي يردد مسرحية اختطاف الجندي- بروايات متعددة - ورغم أن العملية كان مدبراً لها بليل.. حيث تقوم قـّوات الأمن باعتقال أحد قـادة شباب الساحة كنوع من الاستدراج, فيرد الشباب باعتقال أحد الجنود ليقايضوا بزميلهم.. ورغم أن المسألة سوّيت, كما سمعنا بإطلاق سراح الجندي.. لكن ولأن الجريمة كان مخططاً لها فقد واصلت قوات الأمن والحرس العائلي وبلاطجتهما بقيادة المدعو قيران وبتواطؤ قيادات في المحافظة من أبناء تعـز.. فصول الجريمة بحقد أسود.
وما يؤكد ذلك ويدحض كل مزاعمهم تلك ما قاله محافظ تعز السابق حمود الصوفي, وهو من المحسوبين على النظام السابق, في مقابلة له في صحيفة الجمهورية العام الماضي, حيث قال عن المحرقة:( والذين اتخذوا قرار اقتحام الساحة ارتكبوا حماقة ليس في حق الشباب فحسب؛ وإنما في حق الوطن، بل بالعكس فقد عبر هذا القرار عن حالة غباء سياسي تستطيع من خلاله أن تقول إن وجود هؤلاء في مراكزهم كان خطأ كبيرا بكل المقاييس)..
إضافة إلى ذلك هناك سؤال يطرح نفسه وهو: متى كان للجندي اليمني, كأي مواطن يمني, قيمةُ عند نظام صالح وهم يُـقـتلون ويموتون هنا وهناك ولا باكي لهم ..أليس غريباً أن تُحشد الحشود وتقام تلك المحرقة لأجل ذلك الجندي اليمني؟ وإذا كان كذلك ألم يقتل قبل ذلك أحد الجنود المرافقين لمحافظ محافظة مأرب ويُصاب آخـرون ويُطعن المحافظ في ظهره من قبل بعض شباب الساحة في المحافظة.. فماذا فعلوا انتقاما للجنود وللمحافظ أولاً؟ ولماذا لم تـتوجه مثل تلك القوات إلى هناك؟ ولماذا تعز- بالذات - تـُعاقب بهذا الحقـد وماهي جريمتها الفعليّة؟.
لقد ظلـّت تعز على مدى حكم صالح وهي تـتخـذ من السلمية والمدنية دستوراً لها.. لكن هل تجدي تلكما الصفتان في دولة أو نظام تسري فيه شريعة الغاب؟ شعارها: (إن لم تكن ذئباً أُكلت كنعجةٍ.. لا خير للحملان بين ذئابِ).. كم قـُتل من أبناء تعز هنا وهناك؟ فهل أجدت السلمية والمدنية في الاقتصاص لهم؟ وماذا فعلت المدنية لأسرة الشهيد الدكتور درهم القدسي؟ فهل دفعت تعز ثمن اعتناقها للحرية والسلمية والمدنية؟..
لكن تعز أخيراً استيقظت من حلمها وأذهلتهم حينما التقطت إشارة الربيع العربي وأشعلت شمعة الثورة في وجه ظلامهم لتسري شرارتها في كل المدن والمحافظات.. وهم أرادوا بالمحرقة وبما بعدها أن يضربوا غـُرابين برصاصة واحدة, أرادوا أولاً الانتقام من تعز لأن شرارة الثورة اندلعت منها ولأنها ألحاضن الطبيعي للثورة والملهم الروحي للثوار.. الأمر الآخر وهو مرتبط بالأول أنـّهم- في تصورهم- إذا ماذا أطفأوا وهج الثورة في تعز سينطفئ أو سيسهل إطفاؤهُ في باقي المحافظات.. لكن تعــز أذهلتهم مرة أخرى وانـتـفضت من تحت رماد حريقهم كماردٍ جبار (دمها يراق وجرحها لا يندمل ** فتهبّ من تحت الرماد وتشتعل).. هذا ما فعلته تعز بعد المحرقة زاد وهج الثورة وغدت تعز كلها ساحة رغم مواصلة النظام السابق لجرائمه بجنون وبشتى أنواع الأسلحة.. ولكنها تعز.
شُـرفة:
قبل مدة كنت في ساحة الحرية بتعـز ومرّ بخاطري وأنا أتلفت يمينا وشمالاً تلك الأيام العصيـبة التي عشناها قبل عامين, وقلت: سبحان الله!! ذهب قيران وذهب العوبلي والصوفي وبقيت تعز فاردة جدائلها تحت أشعة شمس الحرية..
*عصيّـة ٌتعــز
بوجه كلّ جاحدٍ
وحاقــــٍد
وقاتـــــلٍ
ووجـهِ كـلّ عـاق
*عصيةٌ تعــــز
تعيش تحت وطـأة
الظلام
واللـئام
وفي الصباح
يطّـل من عيونـهـا
الصباح
تـنظر تحت سـُورها
فترى
أولئك اللئام
ملفـّعين بالظـلام.
جلال الحزمي
29 مايو.. جرحٌ غائرٌ في ضمير تعز 1779