لست أعرف في هذا الفصل الحار جداً كيف يعيش أهلنا في عدن وفي الحديدة وحضرموت وكل المحافظات الساحلية في ظل تقطع الكهرباء لساعات طويلة؟!.. وكيف يروق للمسؤولين في بلادنا الحياة يعيشونها نغماً ورِقة وعطراً على مكيفات حديثة تجعل الهواء يتسرب بلطف إليهم وثمة طفل لا يستطيع النوم وبشرة جسده تتسلخ من شدة الحر؟!.. وكيف للمسؤولين أن ينعموا بمشاهدة التلفزيون والتعامل مع النت وأحدث تقنيات العصر، وثمة عجوز ضامرة البشرة تعيش كالح النهار بجسد مكدود وحريق دم وحر شديد؟!...
كيف للمسؤولين في بلادنا أن يحدثونا عن مستقبل قادم وتطور ونماء وهنالك في محافظات التعب وشدة الحر كعدن لا يجد المواطن شربة هنيئة باردة والكثير من مواده الغذائية عطبت بغياب الكهرباء والكثير من الخسائر تصيب صاحب بقالة أو منزل بفعل انعدام التكييف؟!.
أمر مخجل حقاً في حقنا أن نرى المواطن في محافظات الحر وشدة المعاناة يكتوون يومياً وكل لحظة فلا يهنأ عيش لهم ولا لأطفالهم الحق في أن يناموا ساعة واحدة وكبار السن ليس لهم إلا المعاناة وتوابعها, فيما الحكومة تواصل اجتماعاتها وتقدم حلولاً استراتيجية لغدٍ أفضل وتنسى عودة تيار إلى حارة ما في عدن أو محافظة أخرى ساحلية.
ومما يؤسف له أن نجد المسؤولين لا يبالون بوعود قطعوها وعهود قالوها وأيمان أقسموها ويمضون إلى الشره بخطى واثقة ويديرون الظهر للمعاناة ولا يرغبون في فتح حديث بسيط عنها حتى لا يعكرون صفو ساعة يريدونها من كركرة ومنادمة طيبة.. ومثل هؤلاء الذين لا يلقون بالاً للمرضى في المستشفيات وهم على وشك الموت والعلاج في الصيدليات تنتهي صلاحيته والخسائر الفادحة يمنى بها المواطنون في عدن وغيرها بفعل غياب الكهرباء لزمن غير قصير..
مثل هؤلاء لا نرى فيهم لا شفقة ولا رحمة, ناهيك عن مسؤولية وهم السبب الأكيد في هذا التعب اليومي حين لا نجد واحداً منهم يحطم جدار الصمت ويصرخ ملء فيه ويعلن بصوت كبير "كفاية مهازل على الغلبان في وطني؟" لابد من معالجة للوضع المتردي اليوم وليس الغد، ولابد للكهرباء أن ينعم بها المواطن الآن وليس بعد ساعة، وأن يحتج بقوة ويستصرخ الضمير فيمن لانزال نرى أن ضميراً يسكنهم، وقبل أن يترك الحبل على الغارب وتفلت أمور البلاد والعباد، ويعلن كل مواطن يبحث عن ضوء في زمن العتمة وعن لحظة برود في هذا الحر الشديد, أقول: يعلن رفضه للكذب والتنطع وكلام معسول عن كهرباء بالطاقة وكهرباء بالرياح وكهرباء بالناقة ولاذا تأتى ولاذا حصل، ولم يجد غير الإسراف في المواعيد والتبذير في الكلام والصرفيات على كهرباء مقطوعة لتعود كذباً ونفاقاً لساعات ثم تغيب لأيام وتقيد ضد مجهول ويصير المواطن في عدن أسير هذا الكالح المرهق المعذب مع سبق الإصرار والترصد، والمسؤول عن الكهرباء وبنت عمها ومن يحمي السلك من الانقطاع ويرقب المخرب ويحضره مكتفاً إلى العدالة كل هؤلاء وغيرهم يكتفون بتصريح بالٍ ويعودون لعاداتهم في الكلام والسمرة على معاناتنا ويضيئون أنوارهم الخاصة وتياراتهم السارية المفعول، ومكيفاتهم الأحدث في تباين طبقي لامثيل له ويحصل في بلادي بفعل من ليسوا من الحكمة في شيء وقد اختفت منهم الرحمة والحافزية للعمل وباتوا في حلهم وترحالهم يهنأون بطعم المعاناة في الجنوب والغرب وأينما اتجهت في بلاد القيض، يهنأن ويسهرون ويفرحون ويبذخون وهناك في بلادي من لا يستطيع النوم من شدة الحر من كثرة الذباب والبعوض والغبار ومن كل ما يحرم المواطن حقه في الحياة والعيش حرًا كريماً ولديه قنديل غرفة يضيء ولو ببصيص أمل وما ما يشحن (بطاريا) محمولة.
يحلم بأبسط الحقوق التي أضاعها عليه من هم مسؤولية بشيء من السخف واللا مبالاة وكثير من الادعاء أن الآتي أفضل، ولا أفضل سوى ما يرهق القلب من مسؤول يدندن في سيارته على مكيف ناعم وبشر يتحركون على جنبات الطريق نصفهم عاري وآخرهم حافي فيما هونه يزعج حين يطلقه لتفريق من لا يعرفون أين يتجهون في بلاد التعب.
هكذا صار في بلادي وثورات التغيير الكثير من الألم يوزعه طغاة جدد على البسطاء الذين لا يملكون من أمرهم شيئاً لأنهم وقعوا تحت طائلة مسؤولين لا يرعون في البلد ولا المواطن إلا ولا ذمة، وكانوا قبل ذلك من زعيق وآهة وكلام يحتج ويقرعون الآخرين ويزأرون في وجه الفاسدين، حتى إذا ما وصلوا الى مبتغاهم في الكرسي تحولوا الى الشطط ورأوا في المواطن عدم الصبر والتأني ،وأن المعاناة اليوم مهمة من أجل الغد يكون جميلا فيماهم مبرؤون من كل معاناة ومن أي ضر لأنهم مناضلون أشاوس وخبراء في الكلام الذي يبقى مجرد كلاما لا فائدة ترجى منه أو يمكن أن تحصل..
ولعل المواطن الذي يعيش الحر والجوع ولم يعد يعرف الى أين يشكو هذا السيء من اللامبالاة بات اليوم يعرف جيداً من هم الإرهابيون بوضوح شديد فمن يقطع الكهرباء ويدير ظهره لمعاناة البشر ولا يبالي بما يحدث من خسائر كبيرة في الاقتصاد الوطني بفعل غياب الكهرباء، هو الإرهابي بدقة ساعة بك بن، هو القاعدة وما بعد القاعدة، وهو الحراك الإنفصالي، وهو إعدام الحياة، هو الظلام مشاعا، وهو الذي يريد الوطن مستلباً عاجزاً عن الفعل والنهوض، هو من يعمل على ضياع فرص استثمار والبقاء في الكذب والرخص في المواقف، وهو الفساد الذي لا سابق له ولا منافس له, هو كل ما يمحق ويدمر ولا يضيء، فعليه أن يكف عن البحث في التخريجات والمواعيد والكذب، فقد شبع المواطن صبراً وبات غاضباً..
وللمسؤولين هؤلاء نقول: اتقوا يوماً يثور فيه الحفاة العراة عليكم أيها الناعسون كالورد والطريون كالرذاذ والأنيقون كالبسمة والجميلون كالضوء والفواحون كالعطر. اتقوا ما سيأتي من الغبار والريح والوجع والحقد على ما أنتم فيه من نعيم وتندر على حال الغلابى اتقوا غضبة الشعب أن الشعب جيش لا يذل.
محمد اللوزي
اتقوا غصبة الشعب أيهاء الناعسون 1995