لم يمر على تعز يوم أشد وأسوأ من يوم التاسع العشرين من مايو عام 2011...ففي هذا اليوم سكب المخلوع علي صالح حمم حقده الدفين على تعز وأبناءها بشكل وقح يشبه إلى حد كبير حادثة الأخدود.. التي ذكرها الله في القرآن.. أو محرقة "الهولوكوست".. لقد أحرقوا الخيام و نهبوا الممتلكات وسرقوا المحتويات.. لم تسلم منهم حتى الشجر والحجر.. لقد أرادوا من وراء دلك ليس القضاء على الثورة -تفريق الثوار-.. إنما أرادوا استئصال الوهج الثوري والإشعاع الحضاري والألق الثقافي والإبداع المتميز الذي ظهر به شباب تعز و فتياتها و أنهم رواد الثقافة ومنبع الحضارة ومكان التمدن , لقد أرادوا أن يتخلصوا من تعز فهم لا يردونها تكون حرة واعية مثقفة.. بعد ثلاثين سنة من العمل الممنهج على إضعافها وإضعاف روح التغيير والحرية فيها..
لقد انتفضت تعز ضد الاستبداد والظلم والفساد الهيمنة و الإقصاء. وخرج شبابها ورجالها وشيوخها ونساؤها وحتى أطفالها من كل قرية وسهل وجبل. يهتفون بصوت واحد (ارحل) "الشعب يريد إسقاط النظام" وتجسد ذلك في المسيرة المليونية التاريخية التي خرجت يوم الثاني والعشرين من مايو " قبل المحرقة بأسبوع فقط ".. لقد فجرت تلك المسيرة براكين الحقد و الضغينة في قلب المخلوع وزبانيته قاموا بحرق الساحة بذلك الشكل البشع.. لأن الساحة مثلت وجه تعز الحقيقي الذي كان منذ القدم مركز الإشعاع الحضاري و التنويري على مستوى اليمن , فقد وجد الشباب فيها مكانا خصب لاكتشاف طاقاتهم ومواهبهم الإبداعية , بل إنها غدت مدرسة إنسانية متكاملة ومنبعا للوهج الثوري ومصدر للكرامة ومصنعا لأدوات المستقبل , وقلبا نابضا للثورة تتحكم بوهجه وتوزعه إلى القرى و الأرياف فيأتون إليها الثوار من كل حي وقرية تحتضنهم ليجدون فيها كرامتهم، يشعرون بمدى أهميتهم كأفراد وجماعات تنازلوا كثيراً عن حقهم واستضعفوا طويلاً من قبل عصابة بسبب غياب الروح الجماعي والتضامن المجتمعي والكرامة الثورية..
لقد وصلت النار التي أحرقت بها الساحة إلى كل أبناء تعز في المدينة والريف في الداخل والخارج بل إلى كل يمنى وكل إنسان حر شريف.. لتكون لحظة فاصلة في تاريخ الثورة كتب فيها انتصار الإرادة على الدبابة, والحق على القوة.. لقد انتصرت تعز لكرامتها.. وعادت ساحة الحرية في الوقت الذى احرق به وجه الطاغية واندحر زبانيته.. عاد الثوار إليها يواصلون ثورتهم بكل عزيمة وإصرار.. مصرين على انتصار ثورتهم وتحقيق كامل أهدافها..
رفضاً للهمجية وتنديداً بالحقد.. أحيت تعز ومعها كل الثوار في ساحات اليمن الذكرى الثانية بعنفوان الثورة وإرادة الحرية وشموخ الكرامة.. ستبقى تحيها كل عام وفاءً للشهداء وحتى يتعثر وجه القتلة بالتراب ويندم كل من شارك وخطط في المحرقة..
تيسير السامعى
محرقة ساحة الحرية... نقطة فاصلة في تاريخ تعز 1585