يختلف التقاعد الإجباري عن التقاعد القانوني الذي يطبق على الموظف العام بمقتضى نص قانوني يحدد شروطه القانونية بشكل دقيق وعادل وفي إطار قواعد عامة مجردة تحفظ له حقوقه طوال خدمته التي خدم بها في الإدارة العامة.
أما التقاعد الإجباري فتترتب عليه آثار خطيرة تؤثر على حياة الموظف العام وحقوقه الوظيفية باعتباره شكلاً من أشكال الإقصاء التي تتعارض مع حقوق والإنسان المحدد في مواثيق وإعلانات حقوق الإنسان الدولية.
وقبل الخوض في تحديد أساس التقاعد الإجبار والآثار الخطيرة المترتبة عليه, أتذكر ما قاله الدكتور مصطفى الفقي في لقاء تلفزيوني, حيث حدد واحدة من الصور التي تدخل في مفهوم هذا النوع من التقاعد بشكل دقيق من وجهة نظري الخاصة حيث قال" إن الموظف تخبره الإدارة أنها مازال صغيراً عن المنصب الإداري ثم بعد مده تبلغه انه أصبح كبيرا لا يناسبه هذا المنصب وبذلك هي تختصر مسافة من عمره بأسلوب المماطلة والتسويف, مما يؤدي إلى حرمانه من اعتلاء هذا المنصب الذي قد يكون مستحقاً له.
إن هذا التحديد المبسط يوضح لنا صورة من صور التقاعد الإجباري.
وهناك صور أخرى من الممكن إدراجها في هذا المفهوم منها مصطلح " خليك في البيت" وهو تعبير دقيق لحالة الموظف الذي يتم الاستغناء عن نشاطه الإداري لأسباب عدة منها المناطقية أو عدم انتمائه للحزب السياسي المسيطر على الإدارة أو أنه غير مشترك في الفساد مع المجموعة المسيطرة على قيادة الإدارة معينة, فيتم إعفاؤه عن المشاركة في النشاط الإداري لإدارة عامة معينة حتى لا يطلع على أسرار هذه المجموعة التي قد تكون متورطة بالفساد الإداري.
أما الصورة الثالثة فهي أن يوكل إليه عمل هامشي غير أساسي من أعمال الإدارة العامة, بحيث لا يمكن من خلاله أن يشارك في توزيع الثروة أو السلطة أو يتحكم في ذلك في إطار الإدارة العامة التي يعمل بها فيكون دوره هامشياً.
ويمكننا تحديد أساس التقاعد الإجباري بما ذكرناها في دراسة أكاديمية سابقه حددنا فيها التخلف الإداري بثلاث عناصر أساسية هي: المناطقية والحزبية والفساد ورسمنا مثلثين اثنين فقط منهما يتم تحديد الكوادر المسيطرة على الهيكل الإداري للإدارة العامة باليمن بما يؤثر سلباً على من ينتمي لكل مثلث من هذان المثلثان المرسومان في هذه الدراسة أو حتى على من يقع خارج أطار هذان المثلثان من الموارد البشرية التي يمكن الاستفادة منهما في تسيير العمل الإداري وتطوير الخدمة التي تقدمها الإدارة العامة اليمنية للجمهور وكنا قد حددنا في هذه الدراسة العلمية القانونية التطبيقية الآثار السلبية الأتية:
1-هجرة الكفاءات والعقول اليمنية للبحث عن فرص عمل جديده تحقق لها عيشة رغدة.
2-قد تتبع القيادات الإدارية أساليب معينة لتهميش الكفاءات الإدارية التي لا تسايرها في تطبيق الأساليب المتبعة في إدارة المرافق ولا تحقق مصالحها ومن أهمها:
أ)تعطيل مصالح كل من ينتمي إلي الهرم الإداري المعارض والذي لا يملك السيطرة على قيادة المرفق العام
ب)تهميش الكوادر والكفاءات البشرية التي لا تنتمي لأي من الهرمين الإداريين وإهدار حقوقهم بشكل مطلق.
بالإضافة إلى ذلك, فإن للتقاعد الإجباري في الإدارة العامة أثاراً خطيرة تأتي باعتباره صورة من صور الإقصاء تتمثل أهم هذه الآثار بالآتي:
1-أنها تعمق المناطقية أو دعم التسييس الإداري للإدارة العامة ونشاطها وخدمتها التي تقدمها للجمهور أو أنها تأتي كنتيجة من نتائج الفساد الإداري.
2-أنها تحرم الإدارة من كثير من الموارد البشرية اليمنية المؤهلة.
3-أنها سبب من أسباب الحقد والكراهية في الإدارة العامة
4-أنها تعقد العمل الإداري وتعطل سير المرفق العام.
د. ضياء العبسي
التقاعد الإجباري 1923