إننا بحاجة إلى تجديد ثقافتنا بما يواكب متطلبات المرحلة ومن متطلبات المرحلة, تدريس أسس النقد الذاتي وقبول الرأي الآخر وان نؤسس في ثقافتنا فكرة ألا نلوم أحداً عند وقوعنا في الخطأ، مع إدراكنا الكامل أن الآخر مشترك في الإيحاء والتخطيط و توليد الحدث، والهدف من دراسة وتدريس النقد أن نحقق مبدأين، الأول: "توفير الطاقة"، فاللوم يشل طاقة الاستنفار للعمل والإصلاح كونه يحذف مسؤولية الذات من الحدث، وطالما أننا نرمي أخطاءنا وتقصيرنا على كبش الفداء الممثل في الآخر المتآمر وهو موجود، الأمر الثاني: "توجيه الطاقة" للعمل في الحق المفيد، فطريقة "الشيطان", حينما قام بتبرير خطئه بأنه غير متسبب في الخطأ، وأن الله سبحانه وتعالى، هو الذي دفعه إليه {فبما أغويتني}"الأعراف 16"، وترتب على ذلك أنه دخل في طريق اللا عودة بالنسبة للتوبة والرحمة، أي قطع الطريق لأي إمكانية في الإصلاح المستقبلي، ومن الغريب أن الشيطان يتنبه إلى هذه الحقيقة، ولكن بشكل متأخر, حيث لا فائدة، فالقرآن يذكر عنه أنه يقوم يوم القيامة فيعترف أنه لم يكن له سلطان على الناس،{إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُمٌ } (22) سورة إبراهيم.
وهذه الحكمة التي نطقها الشيطان تمثل قانوناً صارماً في التعاملات اليومية، وهي ألا نسلط اللوم على أحد، حتى ولو كان الشيطان, فالنقد الذاتي كما نرى يمثل حركة (ديناميكية) متطورة حية، وأداة إنضاج للوعي وتصحيح الأخطاء أولا بأول، وهذه الأداة ترافق الإنسان حيث أعمل عقله، فهي أداة نفض مستمرة للوعي، كي يبقى نشيطاً حياً، وفي هذا الضوء الجديد عندما يسلط على العامل الداخلي للفرد أو الجماعة أو الحزب هنا يمكن فهم الأمور وقد اختلفت أولوياتها، فالحقوق تأتي ليس بالمطالبة بل بالقيام بالواجب، والاستعمار ظاهرة امتصاص لوجود القابلية لها، والحضارات تنتحر داخلياً، والدول تنهزم بالتفكك الداخلي، والعضوية الجسمية تمرض بضعف المقاومة كأثر من سطو الجرثومة، وسقوط الغصن بالنخر الداخلي أكثر من زوبعة الريح، ووجود إسرائيل بسبب تناقضات الوسط العربي أكثر من جبروتها الذاتي، وأسلحتها النووية الضارية، فآلية النقد الذاتي تتجه إلى الداخل، إلى العمق كي تكتشف الآليات النفسية الدفينة، فهي تقوم بإماطة اللثام عن نظام العوامل الداخلية التي يمكن السيطرة عليها، وبالتالي التدخل لاحقاً في توجيه الأحداث وهندسة مصيرها.
محمد سيف عبدالله العدينى
النقد وسيلة لتصحيح الأخطاء وعلامة نضج 1528