تمر علينا هذه الأيام الذكرى الثانية لمحرقة ساحة الحرية بتعز, تلك الجريمة البشعة التي استهدفت محافظة تعز برمتها ممثلة بهذه الساحة التي حوت أحرار وحرائر تعز المطالبين برحيل النظام بعد أن طفح الكيل واستحال الخلاص من مظالمه وفساده إلا برحيله, فكانت مطالبتهم سلمية وخالية من أي عنف ، ولم يكن لديهم أي سلاح سوى سلاح الإيمان بأهدافهم العادلة وقلوب عامرة بالثقة بنصر الله.
ولم يدر بخلد أحد أن يصل الحال بذلك النظام بالإقدام على جريمة بحجم إحراق ساحة مكتظة بعشرات الآلاف من أبناء الشعب ، تحوي شيوخآ مسنين ومعاقين ونساء ، ولكن من يتجرأ على قتل نفس واحدة ظلماً وعدواناً فلن يتورع عن إحراق شعب بكامله إذا استطاع ذلك ، فنفذت الجريمة بعد ان تأكد لهم أنه لا يوجد أي سلاح مع المعتصمين ، فطوقوا الساحة من كل مكان وبدأوا بمباشرة اطلاق النيران ومسيلات الدموع ورشوا المواد السريعة الاشتعال على الخيام وأشعلوا النيران فيها فأصيب من أصيب بطلقات الرصاص واحترق من احترق جراء الحرائق وخاصة المعاقين الذين لم يسعفهم الوقت للفرار من خيمهم بسبب إعاقاتهم ، والأشاوس المنفذون لهذه العملية البطولية من الحرس الجمهوري آنذاك ومن اللواء٣٣ ومن الأمن المركزي ومن الأمن العام ومن جهات أخرى عسكرية ومدنية كانوا يشعرون بنشوة غامرة وكأنهم تجاوزوا النصر الذي حققه الجيش المصري في حرب اكتوبر ١٩٧٣م عندما اجتاح خط بارليف، ومن ورائهم قادتهم الذين أعدوا الخطط، لهذا الإجرام يتابعونهم من غرف العمليات في معركة من طرف واحد ، ولسان حالهم كان يخاطب سيدهم في صنعاء :(أإنا لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبون) فتحقق لهم مرادهم بكل سهولة ويسر ، وبقدر ما حسبوا ذلك نصراً لهم, بقدر ما عراهم وبين إجرامهم واثبت بالدليل القاطع ان هذه الثورة المباركة كانت ثورة سلمية ولهذا لم يواجه هذا الجيش العرمرم بأي مقاومة مسلحة، واعتقد هؤلاء المجرمون أن الحظ قد ضحك لهم وان الثورة الشعبية انتهت في تعز بانتهاء الساحة .
وفي صبيحة ليلة احراق الساحة انتشر جيش وأمن النظام وبلاطجته على كل شوارع وجولات المدينة, فكان أي تجمع يزيد عن شخصين يطلقون عليه النار مباشرة ، حتى أنهم اعتدوا على مسيرة نسائية في جولة وادي القاضي وتلفظوا عليهن بألفاظ لا تليق بالرجال ، وقبلها طوقوا مداخل المدينة بالأسلحة الثقيلة والمدرعات ومنعوا الدخول إلى المدينة.
كان الحدث زلزالاً لكل الضمائر الحية من أبناء المحافظة وتحدياً للرجولة الحقة، ووجد شرفاء تعز أنهم أمام امتحان عصيب وتحدٍ صعب ، إما أن نكون أو لا نكون وما أشبه حالهم بقول الله سبحانه وتعالي: "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير"... فاستشعروا واجبهم في الدفاع عن أعراضهم وأنفسهم وساحة حريتهم والعمل على بقاء الثورة سلمية ما استطاعوا الى ذلك سبيلاً .
فتنادى المشائخ والشخصيات الاجتماعية والشباب في ثاني أيام المحرقة واجتمع أكثر من مائة شخصية اجتماعية و تدارسوا الأمر وقدروا الموقف وفي نهاية الاجتماع تعاهدوا على استعادة كرامة تعز والدفاع عن الأعراض والأنفس واستعادة الساحة وقد تناولت هذا الموضوع في مقال سابق نشر بمناسبة الذكرى الأولى للمحرقة ولن أكرر ما ذكرته ولكني أقول: كان هؤلاء الرجال رجالاً ، فتحقق لهم ما عاهدوا الله عليه واستعادوا الساحة وردوا لتعز كرامتها ، وحافظوا على الأعراض والأنفس ومعهم كل شرفاء المحافظة ، والكثير منهم لم يفصح عن اسمه أو دوره أو نشاطه ،ولكن الله يعلمهم.
فنسأل الله لمن استشهد منهم أو من مات الرحمة والمغفرة والرضوان، ولمن بقي على قيد الحياة المثوبة والآجر وحسن الخاتمة.
ونحن نعيش الذكرى الثانية للمحرقة يجب أن نستشعر مسؤوليتنا ونعمل على الوفاء للشهداء والجرحى وذلك بالتلاحم والعمل على تحقيق الأهداف التي ماتوا من أجلها وفي مقدمتها تأسيس دولة المواطنة المتساوية والعدل والمساواة ، والشراكة في السلطة والثروة لكل مناطق اليمن، وقبلها علينا توحيد الصفوف وتناسى الخلافات و تصفية النفوس من الاحقاد ، وحفظ الأمن والسكينة ، والوقوف صفاً واحداً ضد من يريد تمزيق المجتمع ونسيجه الاجتماعي ، فنحن بمختلف توجهاتنا هدفنا واحد ويجب أن يكون رأينا واحداً لتحقيق الهدف, فالكل مظلومون والكل عانى ويعاني لا فرق في ذلك بين من ينتسبون للقاء المشترك أو المستقلين أو شرفاء المؤتمر سواء ممن استقالوا وانضموا للثورة السلمية أو ممن لا زالوا فيه, فالشعب كله ظلم والظالمون هم عصابة الكل يعرفها, فلا نعمم الخصومة على الجميع ، حتى نستطيع توحيد قوانا، ونصوب طاقاتنا نحو أهدافنا ، فالوطن اليوم لا زال بأمس الحاجة للتلاحم, فهو يتعرض لمخاطر جمة، ولا زال التربص به قائماً وما نشاهده اليوم من ضرب أنابيب النفط وأبراج الكهرباء والقتل المتعمد للشرفاء والأبرياء وقطع الطرقات، ما هو إلا ثورة مضادة هدفها إحباط ثورة الشعب والعودة بنا الى الخلف في تحدٍ سافر لإرادة الأمة وتصميم الشعب ، وخاصة في تعز الثورة والصمود .
فلنعمل جميعاً بإخلاص وتفانٍ من أجل الوطن حتى نتجاوز الصعاب، ونحن واثقون أن إرادة الشعب هي الغالبة بإذن الله، مهما مكر الماكرون وأجرم الحاقدون وأن مكرهم سينقلب عليهم عاجلاً غير آجل: "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين"..
محمد مقبل الحميري
الذكرى الثانية لمحرقة ساحة الحرية بتعز وضرورة توحيد الصف 1902