لا يختلف اثنان في أن حكومة الوفاق الوطني برئاسة الأستاذ / محمد سالم باسندوة تبدو اليوم في وضعية غير مريحة لا تحسد عليها.. فهي غارقة في تصاعد المشاكل الأمنية والتأثيرات الناتجة عن الاعتداءات المتكررة على خطوط الكهرباء وأنابيب النفط والغاز وتطور العجز في الموازنة العامة وتفاقم الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وغير ذلك من المصاعب والتحديات..
لكن ما زاد الطين بلة أن هذه الحكومة التي جرى تشكيلها من الأطراف الموقعة على المبادرة الخليجية على أساس التقاسم والمحاصصة قد جاءت إلى مجلس الوزراء مصحوبة بأجندات الأحزاب والقوى التي تمثلها لنجد أنفسنا أمام شركاء متشاكسين اضطروا للقبول بهذه الشراكة على الرغم من اختلافاتهم العميقة والحادة وعدم وجود أي مرجعية مشتركة فيما بينهم.. ومن الناحية النظرية فقد سعت هذه الحكومة إلى التوافق على برنامج عملي للمرحلة الانتقالية, إلا أنها وعلى طريقة الحكومات السابقة عمدت إلى الإكثار من الوعود بهدف الحصول على ثقة البرلمان رغم إدراكها أن ما وعدت به في ذلك البرنامج يستحيل تنفيذه خلال عامين أو حتى عشرة أعوام.. ولذلك فلم يقل أحد إلا إذا كان ساذجاً أن حكومة الوفاق أو غيرها بوسعها خلال المرحلة الانتقالية.. الانتقال بالواقع من حال إلى آخر مناقض له, بل إن أحداً لم يطالبها بقرارات جريئة وشجاعة تنهي التوكيلات النفطية والامتيازات والاجارات التي تحصل عليها بعض الجهات والشخصيات من الشركات النفطية وإرجاع التعاقد مباشرة مع وزارة النفط ومن دون أي وسيط أو وكيل, باعتبار أن قراراً كهذا سيدفع بها إلى حرب غير متكافئة مع مجموعة من عتاولة الصفقات المشبوهة..
كما أن أحداً لم يطالب حكومة الوفاق في الوقت الراهن بإلغاء مصلحة شؤون القبائل التي فشلت في الارتقاء بدور القبيلة ودمجها في إطار الدولة وتحولت مع تقادم الأيام إلى مؤسسة رسمية تفرخ أجيالاً جديدة من المشايخ أسهمت في خلق بيئة اجتماعية عصوبية قادرة على إنتاج قانونها الخاص بمعزل عن قانون الدولة.. وبالإضافة إلى ما سبق فإننا نجد أن أزمة الثقة التي تعمقت في السنوات الماضية بين الشركاء في هذه الحكومة قد أفقدتها عامل التجانس والانسجام وروحية العمل كفريق واحد.. وجوهر الإشكالية وإن لم يرتبط بالضرورة بتقاسم الكعكة أو بعدد الوزراء لهذا الطرف أو ذاك, فان الكثير من التعقيدات بدت واضحة باستحالة التوصل إلى معادلة (سحرية) يقبل بها الفاعلون الأساسيون داخل الحكومة (المؤتمر- المشترك) وترضى عنها الأطراف الأخرى التي لم تحظ بأي نصيب من الكعكة.
وبالقدر الذى يستشعر فيه كل اليمنيين حساسية الظروف التي تحملت فيها هذه الحكومة أعباء المسئولية, فانهم الذين يتساءلون عن الأسباب التي تجعل من حكومة الوفاق تظهر كجهة محايدة أو كأنها غير موجودة على الأرض أمام بعض الأفعال والممارسات العدوانية التي تحاول جرنا إلى واقع منفلت لا تحكمه قواعد أو ضوابط قانونية, لنبدوا وكأننا قد انتقلنا من محنة إلى محنة ومن معضلة إلى معضلة ومن مرحلة غياب القانون إلى مرحلة اللاقانون ومن حالة التساهل مع العابثين إلى حالة التساهل مع المخربين ومن عهد اللادولة إلى عهد الفوضى.. واذا ما قيل أن هناك طرفاً أو أطرافاً تعمل من أجل إفشال الحكومة فإن الحكومة بمواقفها المتراخية تجاه أفعال يجب التصدي لها بقوة القانون إنما تقدم المبرر لأولئك الذين يريدون لها أن تفشل في النيل منها وإضعافها وإفقادها ثقة المواطنين.
هناك شواهد كثيرة تؤكد أن التعديات على الكهرباء وأنابيب النفط والغاز وغيرها من الممارسات الصبيانية والطائشة تحولت إلى عملية ابتزاز ممنهجة لإسقاط هيبة الدولة وقد أجمع علماء السياسة أن الدولة التي تخضع للابتزاز مرة أياً كان مصدره وتتخلى عن تطبيق قوانينها تبدأ بالانهيار التدريجي.. واستناداً إلى هذا المبدأ كيف يمكن لنا تنفيذ ما سيخرج به مؤتمر الحوار من منطلقات على صعيد بناء الدولة المدنية الحديثة وهناك من يستبق كل ذلك بشرعنة الخروج عن النظام والقانون والممارسات والأفعال التي تنتهك حقوق المجتمع وبصورة صارت تتكاثر كالأورام السرطانية ودون أي رادع لمثل هؤلاء وكأن أجهزة الدولة تعاني من مرض عضال يصعب الشفاء منه؟.
ما يجري ليس بريئاً ولا هو ردود فعل على أحداث عابرة ومن الأجدر محاسبة المسؤولين المقصرين بنفس الصرامة التي يجب أن يلاحق بها أولئك الذين يتخذون من التخريب هواية للترويح عن النفس.. فالتقاعس والتساهل أمام الخروج عن النظام والقانون يجعل مصير هذا البلد رهينة بيد مجموعة من العابثين والمخربين الذين لا يقيمون وزناً لمصلحة الوطن ولا اعتباراً لمصالح المجتمع الذى لم يعد بمقدوره تحمل المزيد من هذا العبث المجنون.
علي ناجي الرعوي
لا ترهنوا اليمن لعناصر الابتزاز والتخريب!! 3051