تقع اليمن في نطاق جغرافي مهم وحيوي واستراتيجي مهم للمصالح الدولية والأمريكية المتمثلة بحرية الوصول إلى منابع النفط وضمان ملاحة التجارية والعسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن..
وعلى هذا الإطار تتواجد أمريكا لتأمين المصالح وأمن إسرائيل, بالإضافة إلى ذلك أن هذا الموقع الاستراتيجي والذي تأخذ اليمن النصيب الأكبر منه يوجد حوله كثير من الاضطرابات في دول ضعيفة أو عديمة الاستقرار كالصومال وإثيوبيا وجيبوتي.. وفي سياق ذلك أفرزت التوجهات الأمريكية في عملية انتقال التحول في رسم سياسات العلاقات الدولية من الشرق الأوسط إلى اليمن والجزيرة رؤى جديدة تكون على ضوئها مسار العلاقات مع اليمن, من ضمن هذه الرؤى الشراكة في مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني والعسكري وقضية الإصلاحات السياسية والاقتصادية, مع لفت الانتباه إلى أن أمريكا قد عملت على تثبيت مطالبها الاستراتيجية في علاقاتها من خلال سياستها وعلاقاتها الخارجية.
سأحاول هنا قراءة أثر العلاقات الأمريكية الصالحية على اليمن في ضوء تلك التوجهات والرؤى الأمريكية وكيف تعامل معها صالح بدون رؤية سياسية وطنية تعبر عن وجود دولة اسمها اليمن وكيف جنت تلك العلاقات على اليمن دولة وشعب.
دخل صالح حليفاً استراتيجياً مع أمريكا ضد ما يسمى بالمعسكر الشرقي الاتحاد السوفيتي وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي كانت الأجواء قابلة للتشكل لصالح المعسكر الغربي.. فقد أجبرت الظروف الدولية وما مر به العالم من ضجيج الحرب الباردة أن يتمكن اليمنيون من تحقيق الوحدة اليمنية وبدعم أمريكي ومعارضة إقليمية وخليجية.. وفي عهد الرئيس كلينتون ارتبطت اليمن في تصفية الحقبة السوفيتية وهنا برز بوضوح دور المخابرات المركزية الأمريكية التي أسندت لها توجيه صالح ومراقبته.. ونظراً لما مرت به المرحلة الانتقالية بعد قيام الجمهورية اليمنية من نزاعات وصراعات جاءت على إثرها حرب صيف 94م, يشير باحثون غربيون إلى أن احد أسباب هذه الحرب هو تدمير السلاح السوفيتي الذي كان موجوداً لدى حلفائه السابقين في اليمن الجنوبي بالحرب ومن ثم ابعاث الموقف التفاوضي اليمني للنزاع مع السعودية حول الحدود ونزع تأثير الدولة الوليدة على الأمن الاستراتيجي الأمريكي في هذه المنطقة, كما أن الفترة الممتدة من 94 إلى 2000 م أبدى صالح محاولات عديدة لإرضاء الأمريكان بغية إعادة رسم صفقت التحالفات, لقد كان لعدم الاستقرار السياسي الداخلي في اليمن في هذه الفترة تأثير على العلاقة بواشنطن, حيث حازت أجندة تامين السلطة في صنعاء جل الاهتمام بعد حرب صيف 94م.. وأصبح دعم بقاء السلطة يقابله تدخل واسع في اليمن افح عنها المسئولون في إدارة أوباما في فبراير 2010م.
ذريعة الحرب الاستباقية (مكافحة الإرهاب):
دخلت العلاقات الأمريكية الصالحية بعد حادثة تدمير المدمرة الأمريكية (كول ) تحولاً جديداً وبداية لانطلاقة شراكة التابع تحت ما يسمى مكافحة الإرهاب.. وما زاد الأمر إلحاحاً أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما مثلته من خطر على الأمن القومي الأمريكي ومهاجمة العدو المجهول, ذريعة الحرب الاستباقية على الإرهاب اتسعت مظاهر التدخل السياسي والعسكري الأمريكي في الشؤون الداخلية اليمنية إلى حد السماح للطيران الحربي الأمريكي بملاحقة عناصر وشخصيات تعتبرها أمريكا أن له صلة بالإرهاب, بل وصل الأمر أن يدفع ثمن هذه الضربات مدنيين لا علاقة لهم بذلك مثل ما حصل في المعجلة 2010م وهذا التدخل سابقة خطيرة في سياق العلاقات اليمنية الأمريكية وهو يدل دلالة واضحة على واقع التصرف الشخصي الذي يمارسه صالح مع السياسة الخارجية, ويدل أيضاً ان اليمن فشلت في توفير متطلبات رؤية للسياسة الخارجية اليمنية والمحافظة على العلاقات اليمنية الخارجية في إطار المرونة يتيح لها تجنب أضرار الشراكة الكاملة.
تحت ذريعة الحرب الاستباقية لمكافحة الإرهاب استطاع صالح استثمار الدعم العسكري والمالي الأمريكي لتكوين أجهزة أمنية هي من حيث الظاهر لمكافحة , لكنها أجهزة لتأمين السلطة.. فقد تم تكوين جهاز الأمن القومي كجهاز بديل للأمن السياسي.. ولتحقيق غايتين هما تعزيز نفوذ الجيل الثاني من أبناء القيادة السياسية ومساعدة الأمريكان على إبقاء اليمنيين تحت الرقابة الدائمة.. وقد حرصت أمريكا على بناء الأمن القومي بهيكلية رفيعة تمكنه من تنفيذ غايتين, الأولى مرحلية وهي سحب البساط من الأمن السياسي, والثانية مستقبلية وتتلخص في تحويل الأمن القومي إلى قائد غير مباشر لمفاصل الدولة اليمنية وموجه مسارها السياسي.. فالأمن القومي يمثل ذراعاً معلوماتياً, فيما تمثل قوات مكافحة الإرهاب ذراعاً ميدانياً.
وفي سياق ذلك لابد من الالتفات إلى لعبة الأمن القومي مع القاعدة وكيف وظف ذلك في للابتزاز الداخلي والخارجي.. كما قامت الإدارة الأمريكية بدعم صالح مالياً وعسكرياً مكنته من تعزيز نفوذه وإنشاء مصلحة خفر السواحل وقوات مكافحة الإرهاب وبناء قوات الحرس الجمهوري، وشراء الأسلحة من المواطنين، وتنفيذ الرقابة الحدودية بمساعدة أمريكية للسيطرة على المنافذ ومعرفة حركة الدخول والخروج من وإلى اليمن عبر شبكة معلومات متطورة..
كم يمكن القول أن لعبة الشراكة في مكافحة الإرهاب مقابل الدعم المالي والعسكري وإتاحة التدخل العسكري المباشر لقصف أهداف تعتقد أمريكا أنها تتبع عناصر إرهابية وقاعدية، وما رافق ذلك من غموض هو محل تساؤل حول أسرار تلك اللعبة التي دفع اليمن ثمنها..
وفي عهد الرئيس بوش الابن تطور التعاون الاستراتيجي إلى نهايته ووضع اليمن مسرح اختيار لمواجهة أنواع جديدة من التهديد للأمن القومي الأمريكي غير المنظورة تحت ما يسمى مواجهة الاضطرابات وفشل الدولة.. وهو تهديد تناولته استراتيجية الدفاع القومي التي أعلنها البنتاجون منتصف2008م.. في سياق ذلك رضخ صالح لمتطلبات الأمريكية في كل الملفات وتنازلت اليمن عن ثوابتها التي كانت تبديها بين فترة وأخرى فيما يخص عملية السلام والصراع العربي الإسرائيلي, حتى أنها تغاضت بين فترة وأخرى عن محاولات لفتح علاقات سرية مع إسرائيل بهدف التقرب من واشنطن عبر عاصمة الكيان الصهيوني.. كما انضم صالح إلى تيار الاعتدال والتطبيع في القضايا الدولية وقد اتضح ذلك في حرب إسرائيل على غزة في 2008م فلم يحضر صالح القمة التي دعا إليها واحتضنتها قطر.
يمكن القول أن صالح رضخ طواعية للسياسة الخارجية الأمريكية القائمة على التبعية والإملاء والضغوط.. وبهذا الأساس أصبح المسئولون الأمريكيون يبدون اهتماماً واسعاً بالقضايا الداخلية اليمنية ابتداء من السفير (آرثر، وبربرا بودن، وادمند هول وانتهاء بجيرالد فايرستاين)..
فيما سبق عرضه يمكن القول بأن الجانب الرسمي اليمني حرص على اعتماد النهج الشخصي والتقييم الفردي لأهداف السياسة الخارجية اليمنية والحرص على إبقاء العلاقة بين البلدين سرية ومحصورة ملفاتها العسكرية والأمنية والتي دفع اليمنيون ثمنها.. ومازالوا يدفعون ذلك بصورة أو بأخرى, فالمساعدات التي تلقاها صالح لدحر الإرهابيين ساعدته لإطالة فترة حكمه.. وقوات مكافحة الإرهاب خلعت(الكاكاي) ولبست الزي المدني وكافحت الثوار في ساحة التغيير بصنعاء.. ونظراً لجلية هذه العلاقة وصل حال اليمن إلى الحال الذي وصفته احد المنظمات الدولية الخارجية بأن اليمن أشبه بكائن قفز إلى الهاوية, لكنه لم يرتطم بالأرض.
وختاماً يمكنني القول أن هناك الكثير من علامات الاستفهام التي وضعها النظام السابق حول علاقة اليمن بمحيطها الإقليمي والدولي والتي يأتي مقدمتها تصوير اليمن في حالة عدم الاستقرار.. وعدم قدرة اليمن حماية حدوده البرية ومنافذه البحرية.. واعتقد أن جناية العلاقة الأمريكية الصالحية على اليمن قد أثرت على اليمن داخلياً وعلى موقعها الجغرافي وحرمت اليمن من أن يكون لاعباً إقليمياً في الاستفادة من موقعة الحيوي وجعلته عرضة للتدويل الأجنبي وللتواجد العسكري البحري المتعدد للدول الكبرى.. حتى أن وجوده يشكل حجرة عثرة أمام طموحات اليمن المستقبلي.
أحمد الضحياني
العلاقات الأمريكية الصالحية وأثرها على اليمن 2076