في اليمن نعاني من ازدواجية الحكم والقرار السياسي ومن الازدواجية المطلقة التي تمنع إلى حدٍ كبير إخراج القرار التنفيذي من أدراج الوصاية المؤسسية إلى أدراج الروتين الإداري، وفي نهاية المطاف يبقى القرار مادة صلبة غير قابلة للذوبان في محلول الواقع الشعبي.. ومع هذا فإن البسطاء فقط هم من تنطبق عليهم أبجدية القانون العاثر الذي يحمي مصالح الكبار فقط دون أن يلقي بالاً للصغار ممن هم في أشد الحاجة إليه، حتى نستطيع أن نصدق أننا نعيش في مجتمع من الناس لا في غابة من الوحوش.
مسألة الازدواج الوظيفي واحدة من المسائل التي تطبق على البسطاء من موظفي الدولة وممن لا تكفي معاشاتهم لسد احتياجاتهم المعيشية كاملة، بينما هناك من يرى في معاش الحكومة مجرد (جعالة) تلقيها الدولة بين يديه في آخر كل شهر، معتمداً على مصادر أخرى للدخل قد يكون بعضها مشروعاً والبعض الآخر غير مشروع، مدراء العموم والموجهون التربويون، وقبلهم نواب ووزراء وأصحاب نفوذ وظيفي، يتعاملون مع الوظائف العامة وكأنها (فود) أو غنيمة، فيتم إسقاط المستحقين لها لإدراج آخرين ممن يرضى هؤلاء عنهم سواءً كانوا من أهل القرابة أو ممن يستخدم المال لشراء كل شيء حتى وظيفته، متجاهلين أن كل راشٍ ومرتشي واقع في لعنة الله لا محالة، لكلٍ من هؤلاء مشروعه الخاصة وهو بعد أن يحضر إلى مقر عمله مقترعاً بتوقيعه يغادر لإدارة هذا المشروع طلباً لتحقيق الاكتفاء المادي، أما الموظفون الذين لا يملكون حق تقرير المصير فهم ملاحقون ومضطهدون ومطالبون بالبقاء في مكاتبهم إلى آخر لحظات الدوام اليومي، فليس باستطاعة أحدهم التأسيس لمشروع خاص، علاوة على أنهم لا يستطيعون استقطاع مبلغ شهري من معاشاتهم لتأمين حصة مراقب الدوام الذي لا يطلب الكثير، ولكنه أيضاً لا يكتفي بالقليل.
وإذاً فالازدواج الوظيفي باقٍ ما بقيت سياسة الحكومة على هذا النحو من الانتقائية وحشر المصلحة والمحسوبية والقبيلة بين ما هو واقع وما يجب أن يكون، والحل ليس في تعديل القانون وتعجيل سريانه، بل في تعديل المعاش الوظيفي وفرض امتيازات تأمينية خاصة بذوي الدخل المحدود وإيجاد البدائل المناسبة لهؤلاء كلٌ وفق مؤهله والمهام المناط به تنفيذها، وهنا فقط لن يفكر هؤلاء بالتسرب من العمل كما يتسرب طلاب المدارس ولن يقفزوا فوق أسوار القانون.. كما يفعل الطلاب ذلك متجاوزين أسوار المدرسة ليقعوا في أغوار الشارع.
لو أننا فقط نحصل على آلية جادة في تنفيذ القانون بحذافيره لوجدنا أن العدالة الاجتماعية ستتحقق رغماً عن من يحاول الانحراف بالوطن إلى المجهول، لكننا وبكل أسف نفصل القانون الذي يرتديه الضعفاء والبسطاء والفقراء والعوام ويبقى الكبار عارين من القانون وإن تعروا من كل شيء حتى الفضيلة.
ألطاف الأهدل
إزدواج وظيفي.. 1964