ماذا استفاد الشارع "الجنوبي" من ظهور الزعامات الجنوبية؟.. ما إن تعانق الزعيمان ورفعا علم الوحدة خفاقاً حتى كادت أرواح اليمنيين شمالاً وجنوباً تتطاير فرحاً وسروراً.. وما هي إلا أيام قليلة وسرعان ما بدأت الاضطرابات والإشكاليات والتباينات التي أخفاها كلا النظامين في جعبتيهما, وبدلاً من أن يكرسا جهودهما لبناء الدولة اليمنية الحديثة التي طالما أخاف قيامها دول الجوار، كرس الجميع جهوده لتثبيت نفسه وإعداد وتجهيز عُدة وعتاد المعركة وتعزيز قدراته وقواته لضمان تفوقه فيها, حتى إذا حانت ساعة الصفر.. تعانق(الفريق) مع (الرفاق) في حرب خاسرة أطاحت بحلم الدولة الحديثة!..
وفي حين ظن الناس أن المشكلات السياسية والاجتماعية قد انتهت بمجرد انتهاء حرب صيف94م، سرعان ما ظهرت سياسة الإقصاء والتهميش لتطال قيادات عسكرية ومدنية جنوبية، وهو ما عدَّه كثير من السياسيين الجنوبيين ضريبة لتمسكهم بالوحدة..
سُرح الآلاف من الجنوبيين من وظائفهم دون التزام بقانون التقاعد، ومع مرور الوقت تفاقمت الأزمة المعيشية في البلاد.. وعلى خلفية الآثار الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي خلفتها حرب صيف94م، تصاعدت الاحتجاجات الجنوبية من المتقاعدين العسكريين، وبدأت التكوينات تظهر؛ فمن التصالح والتسامح، حتى وصلت إلى(27) جمعية. وحتى 7/7/2007م استعرت المعركة الإعلامية بين السلطة والمتقاعدين.. وكانت اللحظة الفاصلة حينما دعت جمعية المتقاعدين إلى عرض عسكري في مدينة عدن سرعان ما بادرت الحكومة بعمل تسوية وإعادة جزء منهم إلى عملهم.. لكن يمكن القول أن العام2007م برزت فيه القضية الجنوبية وبدأ أنصارها يطفون على السطح.
تيار إصلاح مسار الوحدة:
هل يمكن القول أن الجذور الأساسية لنشأة المطالب السياسية في الجنوب كان قد بدأها تيار إصلاح مسار الوحدة، التيار الذي نشأ مؤخراً بعد انعقاد المؤتمر العام الخامس للحزب الاشتراكي اليمني؟.. إصلاح مسار الوحدة- كما يقول فضل الجعدي في مقابلة سابقة مع صحيفة (العطاء)- قضية حسمها المؤتمر العام الخامس للحزب وأصبحت قضية كل الحزب في أنحاء اليمن وواحدة من القضايا الأساسية الموجودة في برنامج الحزب السياسي.. والحديث عن تيار باسم هذه القضية هو تقليل من أهميتها وهروب من حمل المسئولية. فيما يرى آخرون أن إصلاح مسار الوحدة معناه تمسك الحزب الاشتراكي اليمني بالعودة إلى السلطة باعتباره كان يمثل دولة قائمة عندما شارك في توحيد البلاد، إذ أن الوحدة عندما قامت كانت تمثل نظامين سياسيين، وهذا ما دفع الكثيرين من أنصار الحراك الجنوبي لطرح مشروع الدولة الجنوبية (حق تقرير المصير) تحت ذريعة الشراكة السياسية التي تمت قبل الوحدة، والتلويح بالحق والإرث السياسي.. وعلى الرغم أن مصطلح "إصلاح مسار الوحدة" قد تبناه الحزب الاشتراكي اليمني في مؤتمره الخامس وتضمنه برنامجه السياسي للمرحلة، إلا أنه أحدث انقساماً في بنية الكادر البشري وجماهير الحزب الاشتراكي؛ فصار له تيار يعرف باسمه، ولكن هذا التيار لم يستقطب تعاطفا خاصة كون الذين رفعوه من القيادات العليا للحزب، وقد شاركت في إقامة هذا النظام السياسي بعد الوحدة ثم تورطت في إعلان الانفصال.. كما أحدث هذا الشعار انقساما على أساس الهوية داخل الحزب وأيهما يمثل ويعبر عن مشاكل الجنوب: الشماليون أم الجنوبيون؟.
هل يمكن القول أن تبني الحزب الاشتراكي هذا الشعار- كنوع من الإفرازات والتباينات الجبهوية- كوسيلة ضغط لتمرير أجندة مستقبلية ضد النظام السياسي؟.. وهل يمكن القول أن تيار إصلاح مسار الوحدة (الجناح الإداري) هو القيادي والموجه الأوحد لما يسمى بالحراك الجنوبي؟!.
علي ناصر والبرجماتية السياسية:
علي ناصر محمد- صاحب المنفى الاختياري في سوريا- لم يقف تجاه ما يحدث في الجنوب دون حديث؛ فمنذ بدء الاحتجاجات الجنوبية وهو يؤيد المطالب الحقوقية، وأبدى انزعاجاً شديداً تجاه نظام صنعاء إزاء ما يحدث في الجنوب، ما جعل السلطة تتهمه بطريقة غير مباشرة بالضلوع في ما يحدث في الجنوب، وتذكره بالاحتضان الدافئ في الوقت الماضي.. علي ناصر، الذي يبدو صاحب التأثير البرجماتي والشخصية الجنوبية الأكثر تأثيراً وحضوراً، وما زال له أنصار في الجنوب والسلطة، وبحكم علاقاته الإقليمية والدولية، سلك خطابا سياسيا للمزيد من التعقل والشدة والمزاوجة والتفنيد والتوجيه بطرق غير مباشرة لأجندة في الداخل.. لكن يرى الكثير من المراقبين للحياة السياسية اليمنية والمختصين بتحليل الظواهر السياسية أن ظهور الشخصيات الجنوبية كان له أثره السلبي والإيجابي في سخونة المطالب الحراكية، ودليل على ضعف الدولة.. وفي الأيام الأخيرة بدأ يلملم شتات القوى الجنوبية.. فهل يستطيع يجد له حضوراً كمشروع في المتغيرات القادمة؟.
العطاس: لا تشلوني ولا تطرحوني
يمكن القول أن المهندس/ حيدر أبو بكر العطاس ليس بالشخصية البارزة والمؤثرة في الميدان الجنوبي مقارنة بالبيض وناصر؛ فهو في الأصل رجل (التكنوقراط) وشخصية (كان) في أسفل قائمة جداول دولة الاشتراكي، ولم يحز احتراماً جماهيرياً, على الرغم من اتهامه (مهندس الانفصال)، لكنما في ظهوره المتلفز في2007م لم يطالب السلطة بفك الارتباط والانفصال وإنما كان رهانه على المجتمع الدولي والإقليمي، وقد يعزو البعض ذلك إلى ارتباطه الوثيق ببعض قادة الأنظمة السياسية في دول الخليج.. وفي الأيام الأخيرة أبدى تجاوبه مع قيادات المشترك وتصريحاته الأخيرة ليست كافية لكشف ما إذا كان له مشروعه الخاص.
علي سالم البيض: بطل المغامرات
علي سالم البيض، الشريك الأساسي في تحقيق الوحدة، والمتهم الأساسي والأول من قبل السلطة في إعلان قرار الانفصال، والذي كان خروجه واستقراره في عمان واعتزاله العمل السياسي طيلة(15) عاما- حتى بداية2007م- ومع ظهور الاحتجاجات الجنوبية ظل صامتا.. حتى كان أول ظهور له في مايو2009م الذي أعلن فيه من(ميونخ) الألمانية العودة إلى النشاط السياسي وطالب بفك الارتباط. وحتى بداية الثورة مازال مصر على ذلك.. وله ترتيباته الخاصة وعلاقاته مع صالح.. ومد أواصر العلاقة المالية والعسكرية مع إيران والحوثيين.. ليصبح المالك الوحيد لولاية الفقيه في الجنوب وباسم (البيض آيات الله علي سالم اكبر خامنئي).
إن ظهور هذه الشخصيات وتعاطيها مع الواقع السياسي والجنوبي يشبه وضع (العربة قبل الحصان)، ولن تبرز خطوة مؤهلة وجديدة تؤهلها للتعاطي مع الواقع السياسي من منطق المسئولية وتحت سقف الوحدة ومشروع النضال.. وهذا-بالتأكيد- أضعف موقفها أمام المجتمع الدولي وأحزاب اللقاء المشترك في اليمن.. فهل تعددت وجوه الزعامات الجنوبية وبرزت المشاريع السياسية الجهوية وغابت الحلول للقضية الجنوبية؟.. في ظل هذا التباين المخيف ما هو مستقبل الحوار الجنوبي- الجنوبي؟