ما هو الوطن؟.. الوطن باختصار غير مخل وبحجمه غير مخل: حزمة من القوانين تلتزم بها ثلة من البشر وثلة أخرى أقل.. وظيفتها مراقبة مدى التزام الجميع بالسير حسب حدود القانون دون ثمة تجاوز لتلك الحدود؛ وحيث تقف حدود القانون تقف حدود الوطن ومن يتعدى حدود القانون إنما يتخطى حدود الوطن وتصبح قيمته بلا ثمن.. لأن الوطن بلا قانون عبارة عن غابة تحكمها فوضى الغاب التي فيها لا يبقى الضعيف, بل البقاء للأقوى.. لهذا عندما نجد شيخا ما يمارس سياسة النظام السابق أو سياسة رئيسه المخلوع الذي كان يردد جملة "أنا القانون" فيرفض سلطة القانون ويفرض سلطة قبيلته تاركا سلطة القانون وراء ظهره أنما هو بذلك يتبرأ من الوطن ويتبرم ليصيره إلى غابة يحكمها الافتراس, فللدماء لا يهتم ويجعله تحت سطوة قبيلته خير مغنم؛ لهذا تجد الشيخ الفاسد للدولة المدنية شر مناهض أو خير ناقد؛ ولفوضى الغاب خير عابد؛ لهذا نرى مثل هذا الشيخ يقف مع عوج أبناء قبيلته ولا يسمح للقانون أن تصلهم عدالته أو سطوته فمثله كمثل من يعطي قداسة الوطن ظهره واعوجاج أفراد قبيلته بشاشة وجهه؛ بل إنه ساعة حصول ذلك يدوس القانون تحت قدميه وما الوطن إلا حزمة قوانين عند العاقلين ولسان حال الشيخ ساعة إذ هي "أنا القانون" وجملة أنا القانون تساوي جملة "أنا الوطن" وهذه الأخيرة في هذا السياق تساوي "أنا الوثن" فالذي يقول أنا القانون أنما يقول أنا ربكم الأعلى, فهذا هو منطق الفراعنة؛ لأنه في شرعنا الإسلامي وفي دولنا الإسلامية يكون القانون والدستور مستوحى من الشريعة الإسلامية, أي أن مصدر القانون هو الله عز وجل فهو المشرع لا سواه، والذي يأتي ليجعل نفسه مكان القانون إنما يجعل نفسه ندا للمشرع وهو الله فهل يدرك شيخ القبيلة عندما يمنع يد القانون أن تطال أبناء قبيلته إنه يمنع بذلك عدالة السماء ويهرق الدماء لأنه عطل نص الحياة (ولكم في القصاص حياة) والذي يعطل القانون يريد أن يحول حياة الناس إلى عبث لأنه بوقف مسيرة القانون ومنعها من أن تؤدي عملها إنما هو بذلك يوقف مسيرة الحياة المستقرة والوطن المستقر بأكمله فما الوطن -كما أسلفنا - إلا حزمة قوانين تنظم سير البشر وبالتالي سير الوطن نحو العمار وبر الأمان وأن يحول دون ذلك ويستبدله بتسيير وتيسير أمور قبيلته وهوى مشيخته فهو قد نصب نفسه ليكون وثنا يعبد من دون الله فهو يحلل ويحرم حسب ما يتناسب ووضع قبيلته ومصلحتها فتلك هي عنصرية القبلية المقيتة التي هي للقانون ثم للوطن مميتة؛ لأنها تحول دون الشعب اليمني ودولته المدنية الحديثة.. لأن الفاسد والذي استمرأ الفساد يعلم أن في هذه الدولة لا سلطة إلا للقانون، والوطن لا يكون وطنا إلا بسيادة القانون وهذا الأخير لا يسود إلا إذا تساوى تحت سلطته وسطوته الجميع, لا فرق بين أبيض ولا أحمر ولا بين أفراد أمة محمد ولا آل محمد ولا ذي محمد إلا بمدى الالتزام بالقانون ولا يلتزم بالقانون إلا التقي ولا يخشاه إلا ملوث أو فاشل غير نقي.. فالالتزام بالقانون هو الالتزام بالمواطنة وكل من لا يلتزم بالقانون فإنه لا يكترث لأجل الوطن بل لأجل قبيلته ولسان حاله "أنا رب قبيلتي وللوطن رب يحميه" وما فَقُه ساعة الإطاحة بسلطنة القانون ليبني عليه سلطة قبيلته أنه قد صار رب القبيلة والعشيرة والوطن كله.. إنه إذا ما ضل الالتزام بما اعتادت عليه العنصريات القبلية والنخب فلا فرق إذا بين عصرنا وعصر عبد المطلب وأبي لهب؛ حيث ستبقى الغلبة فيه لمن غلب.
إن الذي يقف ضد سلطة وسطوة القانون ويحل محله اللعب والعبث؛ إنه لا يناهض إرادة الوطنيين الغيورين على أوطانهم فحسب؛ بل إنه يريد أن يناهض إرادة الله في عمارة الأرض والسماء الإرادة التي لم ترض ولن ترضى عن ان تعيش الأوطان حياة اللعب والعبث؛ قال جل في علاه: (وما خلنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين) وقال تعالى (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) فالذين يريدون اللعب والعبث في ممتلكات الأمة ومدخراتها فلا مكان لهم في يمن ما بعد الثورة فهذه الأخيرة قدمت خير أبنائها ذخيرة لأجل بناء دولة القانون وسلطته وحتى تصل الجميع سطوته، فاليمن اليوم هي غير يمن الأمس والذي ما زال يحلم بالأمس فإنما مثله في أقواله وأفعاله كمثل الذي يتخبطه الشيطان من المس، لقد ذهب زمن تخبط الشيطان وجور الأوثان ولن يبقى بعد الثورة إلا يمن الإنسان بعيدا عن نوازع العنصريات بشتى أنواعها المضلة فنعم ليمن الإنسان وبعدا ليمن الفرد القبيلة والطائفية والحزبية والسلالية إن يد القانون سوف تطال كل المخالفين وسوف تذيب تحت نار قوتها وسلطتها وسطوتها كل تلك الحدود التي ورثَّها النظام السابق؛ لأنه كان يعيش على تلك العنصريات وما ترتب عنها من أزمات ومن فتاتها كان -وما زال بعض بقياه - منها يقتات.. فإلى كل من اعتاد على ذلك الميراث وطنوا أنفسكم وتكيفوا على العيش في وطن الإنسان وتحت عدل وظل الرحمان فقد ولى -إلى غير رجعة- عهد الأوثان وحكم الشيطان. لن تبقى منطقة في اليمن إلا وسيصلها نار ونور القانون، فمن لا يرضى بنوره فسوف يسلط عليه ناره وتأبى الثورة إلا أن تتم نورها ومن سيقف في طريقها فليحذر على نفسه ونفَسه من نارها فالثورة غالبة على أمرها بعون الله ثم برجالها ولكن المتآمرين لا يفقهون.