;
محمد علي محسن
محمد علي محسن

الفدرلة.. توزيع للسلطة لا تجزئة للجغرافيا!! 1897

2013-06-30 22:24:53


يعيش نحو 40% من سكان العالم في أنظمة فدرالية، فمن بين أكثر عشر دول كثافة سكانية هنالك ست دول فيدرالية، ومن بين أكبر عشر دول مساحة توجد ثمان دول فيدرالية، وإذا كان هذا هو حال الدول الفيدرالية كالصين والولايات المتحدة والهند وروسيا وألمانيا وكندا والبرازيل وباكستان وسواها من قائمة الدول المتحدة فيدراليا وتتصدر دول العالم سكانا ومساحة ؛ فإنه وبالمقابل توجد بين الدول الفيدرالية الـ28 دولاً لا تتعدى مساحتها جزر أرخبيل حنيش في البحر الأحمر أو جزيرة سقطرى وأخواتها في بحر العرب والمحيط الهندي، فهناك جزر صغيرة مثل ميكرونيزيا، وسانت كيتس ونيفيس، وجزر القمر وغيرها من فسيفساء دول لا يزيد تعدادها البشري عن سكان العزلة والمديرية والمحافظة.
أظن أن فدرلة الدولة اليمنية البسيطة ليس ترفاً أو بدعة خرقاء تستوجب الرفض والمقاومة؛ بل ينبغي التعامل مع هكذا صيغة اتحادية باعتبارها طريقة مناسبة ومنقذة لليمن واليمنيين من تفكك وتمزق مجتمعي وسياسي وتاريخي ونفسي وذهني يعيشونه واقعاً وفي ظل كيان الدولة الواحدة.. فبعد قراءتي لمصفوفة الرؤى المقدمة من مكون "بناء الدولة" في مؤتمر الحوار الوطني؛ وجدت أن أغلب المكونات تكاد متفقة حول شكل وهوية الدولة، وكذا ماهية النظام السياسي، ففي مجمل الرؤى هنالك اتفاق غالب حول الدولة الاتحادية الفيدرالية، وعلى نظام الحكم والنظام الانتخابي والنظام الإداري وسلطات البرلمان والقضاء.. فباستثناء تجمع الإصلاح وحزب الرشاد الإسلاميين اللذين تبنيا رؤية الدولة البسيطة بنظام لا مركزي, بقية المكونات الثمانية, بما فيهم مكون الحراك الجنوبي وسقفه المتجاوز للدولة الاتحادية, تبنت خيار الدولة المركبة وإن تفاوتت في مسألة توزيع أقاليم هذه الدولة الفيدرالية وما إذا كانت هذه الأقاليم اثنين (جنوبي وشمالي) وفق رؤية حزبي التجمع الوحدوي والحق، أو ثلاثة وخمسة في رؤية المكونات الأخرى.
من الأخطاء الفادحة اعتبار الفدرلة مقدمة لتجزئة وتفكيك البلاد الواحدة، فكثيراً ما سمعت مثل هذه الأفكار النازعة لبقاء الدولة البسيطة موحدة، فبقليل من الإدارة اللامركزية للمحافظات يمكن سبر غور حالة الاحتقان، وبقليل من التنازلات المركزية للأطراف والوسط يمكن إعادة الاعتبار للجنوب والشمال.. ربما غفل هؤلاء حقيقة التجزئة القائمة الناتجة في الأساس من استبداد تاريخي عمره قروناً، هذا الاستبداد المهيمن على السلطان والقوة والثروة والقرار لم يكن فقط وليد توحد سياسي قبل عقدين ويزيد؛ وإنما هذا المركزية المستبدة موغلة في القدم وعانى منها المجتمع اليمني شمالاً وجنوباً، بعد التوحد والحرب أو قبل التوحد والثورتين.
نعم, الفدرلة كيان ضعيف وهش بلا شك, فيه مجازفة كبيرة ومغامرة خطرة قد تفضي لما هو أسوأ وأقبح من الإقليمين والدوليتين؛ لكن ذلك لا ينفي ويدحض بكون معاناة اليمنيين أزلية وسببها الرئيس المركزية المستأثرة والمحتكرة المبددة لكل مقدرات وإمكانيات وموارد وحتى تطلعات وأحلام الأجيال المتعاقبة، فالحال أن اليمن لم تكن مشكلتها مطلقا تتعلق بمجتمعها الواحد؛ وإنما مشكلتها دوماً وأبداً كامنة بمن يحكمها ويدير شئونها وبطريقة صلفة ومحتقرة وغير عادلة، يكفي الواحد منا قراءة تاريخ القرنين الماضيين لندرك حقيقة هذا النزاع المستبد على الحكم ولنعلم جوهر الخلاف الدائم الذي لم يكن يوما سوى نتاج احتكار وهيمنة فردية وقبلية وطائفية وعائلية ومناطقية.
الفدرالية تعني توزيع السلطة ومشاركتها بين المركز وسائر الأطراف الأخرى؛ فمتى كانت الفيدرالية توزيعاً وتقسيماً وتمزيقاً للدولة الواحدة؟.. أعجب عندما تسمع احدهم قائلاً: الفدرلة لا تعني سوى التجزئة للبلد الواحد.. تسأل وبفضول: أين هو البلد الواحد؟, أين هو الشعب الموحد؟.. فلا تجد إجابة شافية، فكل ما تسمعه من المناوئين للفدرلة ليس إلا ذرائع وأباطيل هدفها حفظ مصالح ونفوذ القوى الطفيلية المنتفعة زمناً طويلاً من هيمنة واحتكار المركز لكل مقاليد الإدارة والقرار.
لهؤلاء جميعاً أقول لهم بأن الفدرلة لم ولن تكون مقدمة لتجزئة اليمن, بل على العكس من ذلك, فالتجزئة المجتمعية قائمة والفدرلة في هذه الحالة ليست إلا محاولة جادة ومنصفة وأخيرة لحفظ كينونة مجتمع كان واحداً في ظل الدولتين الشطريتين وبات الآن في كنف دولة واحدة شعوباً وقبائل وجهات يستلزمها معجزة سياسية تعيد لها وحدتها المجتمعية التي تم انتهاكها بصلافة وفظاظة المركز العتيد..
ففي جميع الأحوال الفدرلة فشلت ثلاث مرات تقريباً وحيثما ظلت الدولة ممركزة بنفوذ وهيمنة الغالبية السكانية أو الطائفية أو العرقية، فباستثناء السودان وباكستان وتشيكوسلوفاكيا التي لم تدم تجربتها طويلاً حتى انسلخت منها أقاليم ثلاثة مشكلة جمهوريات مستقلة مثل التشيك وبنغلادش وجنوب السودان؛ جل النماذج الفيدرالية الأخرى يحسب لها حفظ وصيرورة كيانات دول كانت على وشك التمزق والتفكك مثل إسبانيا وروسيا والهند وماليزيا وجنوب أفريقيا, وو.. إلخ.
نعم, لا توجد صيغة واحدة وجاهزة يمكن التأسيس عليها, فلكل دولة فيدرالية لها ميزة وخصوصية تتعلق بها، فقد تكون الدولة فيدرالية في المسمى والشكل فقط, فيما هي أقرب إلى الدولة المركزية الممسكة بزمام معظم السلطة والنفوذ والموارد وهذا النموذج يتمثل بفيدرالية فنزويلا ونيجيريا وكذا روسيا ذات الـ83 جمهورية وحكم ذاتي ومقاطعة وإقليم وإن بقدر أقل وأخف من استحواذ الدولتين السابقتين.
والعكس أيضاً, فقد تكون هذه الدولة ليست فيدرالية ومع ذلك إدارتها للولايات والمقاطعات يوجد فيها قدر كبير من الاستقلالية والصلاحيات غير موجودة في الأنظمة الفيدرالية ومثال ذلك المملكة المتحدة وفرنسا ،فالأولى منحت إسكتلندا ما يشبه الجمهورية المستقلة, كما وأعطت إمارة ويلز أو إيرلندا ما لم تحظ به جمهورية في روسيا أو ولاية في السودان أو نيجيريا.. فرنسا كذلك حين منحت بلدياتها سلطات وصلاحيات غير متوافرة لولايات ومقاطعات في دول فيدرالية..
وهذا الكلام أسوقه هنا لأولئك المذعورين من مفهوم الفدرالية, باعتباره مستهلاً لتجزئة البلاد المجزأة في الواقع والممارسة، ففي النهاية العبرة تكمن فينا نحن اليمنيون وما إذا كنا قادرون على صياغة نظام لا مركزي يتشارك فيه الجميع في السلطة والقوة والإدارة والثروة والموارد والأفكار والرؤى ودونما إقصاء أو استئثار أو هيمنة مركزية.. فكل هذه الأشياء كما هو معلوم يجب أن تكون حقوقاً أساسية تتصدر مواد دستور الدولة الجديدة، فما هو مهم باعتقادي ليس بكون النظام فيدرالياً أو لا مركزياً بإقليمين أو أربعة أو خمسة, بقدر ما بكون هذا النظام يعالج في المقام الأول عقم الإدارة الممركزة بشخص الحاكم وبمكان تواجده، كما ويكون هذا النظام غايته الشراكة الوطنية الحقة بحيث تؤول وتتوزع هذه السلطة والقوة والثروة وسواها على اليمنيين كافة ودونما تمييز أو غمط أو إقصاء أو هيمنة وبما يعود بالنفع على أهل هذه البلاد الذين لم تكن مشكلتهم تتعلق بأقلية عرقية أو طائفية أو لغوية في الجنوب حتى يتكرر سيناريو السلوفاك أو جنوب السودان.
نعم, هنالك ثمة بعد طائفي في الشمال, ونعم هنالك خصوصيات محلية, ومع هذا التمايز الضئيل يصعب اعتبارها هوية قومية أو دينية أو لغوية كتلك المشكلة لأقاليم بلجيكا الثلاثة الناطقة بالهولندية والفرنسية والألمانية, أو يمكن مماثلة حالة اليمن بسويسرا التي وبرغم مساحتها الضئيلة التي لا تزيد عن 40 ألف كم 2؛ فإنها مقسمة إلى 26 كانتوناً يقطنها قرابة عشرة ملايين, 17من هذه الكانتونات غالبية سكانها يتحدثون الألمانية وأربعة اللغة الفرنسية وواحد الإيطالية.
*المعلومات المضمنة للمقال من كتاب رونالد واتس "الأنظمة الفدرالية "

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد