قدم الإخوان المسلمون نموذجاً فاق كل التصورات في فهمهم للديمقراطية وقدرتهم على تمثلها ممارسة، بغض النظر عن سلبيات اعترت هذه الممارسة بالنظر الى تيارت أخرى( ليبرالية علمانية تقدمية) طالما تغنت بالديمقراطية وارتفع حنينها إليها، ورأت أن الإخوان عائق في طريق تطورها ولولاهم لكانت البلدان العربية في النهضة تساوي أوروبا ،وصدقناهم كثيراً في هذا وصفقنا لهم وأدنا من حيث لا ندري الإخوان المسلمين وقلنا فيهم :قوى رجعية ومتخلفة وإرهابية وخارج نطاق العصر واشتغلت كل قوى اليسار ودعاة العلمانية على هذا كثيرا حتى صارت معزوفة واحدة ضد الإخوان أنهم القوى الرجعية .حتى إذا ما دخلوا الديمقراطية كافة ورضوا بها نظام حل مشكلات، وخاضوا الانتخابات في أقطارهم بروح التحدي والقبول بالنتائج وتخلوا عن أفكار تناصب العلمانية والديمقراطية العداء، وجعلوا الصندوق حكماً بينهم والآخرين، وفازوا في بلدان وهزموا بالمؤامرة في بلدان أخرى، رأينا القوى التقدمية والليبرالية يجن جنونها وتستشيط غضباً كيف لقوى كانت تصدر فتوى ضد الصندوق هي الآن على علاقة حميمة معه وتنتصر له بروح مدنية لا قبل للآخر بها الذي تحول وبفجاجة الى إقصائي بامتياز وإلى عقلية مدجنة لا تستوعب المتغير وتتعايش مع منطق الأربعينات والستينات وتتخلف بمسافات زمنية شاسعة عن الإخوان الذين انحازوا لقيم الديمقراطية والحوار والاعتراف بالآخر ،بما قدم القوى المناوئة الليبرالية وغيرها في مستوى تسلطي قمعي انتهازي لا يعبر عن تعايش بل ضيق وإلغاء وتحالف مع القوى الظلامية والعمالة والخيانة بهدف الانتصار على الإخوان عبر التعصب الضيق والتكتل والانقلابات.
ولعل أصدق صورة تعبر عن كل هذا هو التحالفات بين القوى الليبرالية العلمانية والتقدمية ومن لهم انتماء الى العمالة والخيانة كما (البرادعي)، ضد الشرعية الدستورية ورئيس فاز بالانتخابات الحرة النزيهة التي شهد لها العالم، ومع ذلك نكاية بالإخوان ورغبة في الإقصاء اشتغلت تلك القوى مع العسكرتارية الانتهازية للانقلاب على أول رئيس في تاريخ مصر من العهد الفرعوني وحتى اليوم صعد بالديمقراطية وآمن بها وعمل من أجلها ودعا الى حوار وتعايش رفضه الإنقلابيون الذين يرون في الديمقراطية هزيمة ساحقة لهم، وأنه لا طاقة لديهم بمنافسة الإخوان وخير وسيلة التمترس ضدهم وخلق مناخات فوضى وإرباك المشهد الديمقراطي الذي لا يؤمنون به ولا يستقرون عليه بما لديهم من ثقافة استبدادية اقصائية ونزوع نحو الإلغاء والأصولية الجديدة التي يعتنقونها ،من خلال الرفض المطلق لفوز القوى الإسلامية وحدث مع هذا التآمر القبول بالارتهان والتعامل مع الشيطان ذاته ضد الإخوان الذين جعلوا الصندوق حراً نزيهاً, معبرا عن الواقع وقواه بشفافية جلبت لقوى العلمانية الفشل السريع وقدمتهم مجرد تنابلة العصر حين عجزوا عن التنافس المبدئي الشريف وكشفوا اقنعتهم ومكنون غلهم حتى على الديمقراطية ذاتها التي عجزوا عن القبول بها والتعامل معها، لكونهم قوى خارج العصر وديكورية تحمل ثقافة إلغائية رأيناها في الإعلام الإنقلابي الذي مارس كل الأساليب القذارة في الدعاية والتحريض ضد الإسلاميين ومارس التضليل الى أقصى مدى وتزييف الحقائق وهي رأي العين وقال عن الإخوان: إرهابيون وهم يقتلون ويلقى بهم في السجن وقال عنهم ضد الحريات والحقوق وهو يلغي كل قنواتهم التي نأت بنفسها عن التحريض وقال عنهم مجرد مجاميع والشرعية الثورية فاقت على الدستورية في مسرحية عبثية ونحن نراهم عشرات الملايين في الساحات وبلغت أرقام الحشود حسب (السي إن إن و البي بي سي )اربعين مليوناً وفاق حشد الديمقراطية والشرعية الدستورية كل التوقعات وأذهل الإنقلابيين فلجأوا إلى الإشاعات التي لا تدل على امتلاكهم أي قيمة اخلاقية فقالوا: إنهم رموا بأطفال من أعلى السطوح وزوروا ما شاء لهم ،ومع ذلك بقى الإخوان رغم الضرر الكبير ومسهم الأذى أحرص القوى كلها على الديمقراطية والسلمية وأدخلوا القوى المتشدقة بالحضارة والحداثة والمعاصرة (جحر ضب )وقد تحولوا الى رهانات فاشلة ومغالطات وتزييف واقع وقدمت ذات القوى التي تنتسب لعلمانية زوراً وبهتاناً مستوى من التخلف يعجز عن وصفه الواصفون .
وإن المرء ليستغرب كيف يلتقي قاتل أطفال العراق ومجرم وخائن وعميل هو( البرادعي )تآمر على الأمة العربية كيف يلتقي هذا مع القوى القومية في سياق تآمري لا يشرف أحداً الانحياز له وكيف يلتقي التحرري التقدمي مع قوى البترودولار في مؤامرة ضد وطن وتاريخ ؟, بأي معنى أفهم هذا السياق اللعين من التآمر لا أعرف؟ سوى أن ذات القوى التقدمية كذباً تنطلق ليس من مشروع نهضوي ورؤية منهجية وتقدمية ولكن من مشروع حقد على القوى الإسلامية من رغبة إقصاء للآخر من تكتل هزيل يعبر عن أزمة أخلاق وضمير في المقام الأول .
وأسأل كيف يروق لـ(حمدين صباحي ) ويشرفه أن يكون تاج رأسه وكر الشر (البرادعي )كيف يتحول الى صغير أمام عميل ويراهن القومي على الخياني الرجعي وينحاز إلى ظلال قديم ولا يقبل بأدنى صور التعايش الخلاق انتصاراً لمصر وللمشروع المدني الديمقراطي كل ذلك يقف منه على النقيض من زايدوا زمنا غير قصير بالديمقراطية وجلدوا أنفسهم دهرا وتحسروا زمنا على غيابها حتى إذا ما حصحص الحق وكانت واقعاً انقلبوا عليها في صورة مقززة وبتحالف مع العسكرتارية الخائنة في محاولة جعل مصر دماراً وفوضى حتى إذا ما خرج الإخوان بسلميتهم إلى الميادين يطالبون بعودة الشرعية وقد انصفهم العالم بأحقيتهم لها وجدنا من ينال منهم حتى في أعراضهم ويلقي عليهم ما هو فجور وكفر ثم يقال هؤلاء تكفيريون اقصائيون وكأن قوى الانقلاب هي صاحبة الحق الدستوري وهي المخولة بامتلاك الديمقراطية دون غيرها وهي الوكيل الحصري للصندوق وعليه أن يبقى ملكها أو الدمار.
وفي كل الأحوال لقد فشل العلمانيون وأحرجونا معهم حين عجزوا عن لحظة صدق وانساقوا مع خونة واضحين ومع فعل مؤامرة لاشك في ذلك ومع عسكرتارية مرتشية خانت الأمانة والعهود واليمين في الحفاظ على الدستور وسعت لإرضاء قوى البترودولار بمباركة قوى علمانية تقدمية ولكنها برادعية و يأسف المرء أن يجد نفسه قد صدق هذه القوى زمناً غير قصير ظناً منه انها محقة وأنها تقدمية وقومية بصدق وكل ذلك مجرد وهم فلا ناقة لها ولا جمل في أي من القيم التي دعت اليها واسميناها قوى نضالية لذات القيم التي صدقناها جزافا ولم نختبرها على الواقع غير أن الأحداث والمتغيرات كشفت هزال هذه القوى حين انكرت على الإسلاميين حقهم في الجزائر وحقهم في فلسطين وحقهم في باكستان وحيث انتصرت الديمقراطية يناصبها الفجور والعداء القوى التقدمية العلمانية الليبرالية وهي مستعده من اجل أن لا يفوز الإخوان للتعامل مع الشيطان ذاته و(البرادعي) خير مثال و(حمدين صباحي) الأنموذج الصارخ لمعنى التخلي عن القيمة الأخلاقية والضمير الوطني. ولعلي هنا أذكر أن من يتحالف مع الارتهان والخيانة مع من تآمروا على قتل الشهيد الحمدي مع البترو دولار مع من أجهضوا أحلام أمة ومشروع دولة مدنية حديثة ليسوا من الناصرية في شيء ولا من التقدمية, فعبد الناصر يرفض ويقبح ويستهجن العملاء والخونة ولم يكن ليقبل بتحالف مع البرادعي ويجعله في غمضة مؤامرة رئيس وزراء على إثر انقلاب .لم يكن يقبل أبداً بالرجعية والاستعمار الذي يتحالف معه البرادعي ويحفزه على ذلك حمدين صباحي ويريد الصاق التهمة في كل ذلك الإخوان .
إن التقدمية والعلمانية تعايش وقبول بالآخر ووعي مجتمعي متقدم رؤية لما بعد بشراكة فاعلة وليس منفعلة وهي أي- العلمانية والتقدمية- انتماء للمستقبل للاعتراف بالآخر ترفض الانقلابات وتهزأ وتسخر بالإقصاء والتزييف والتضليل.
وإذا نحن أمام قوى مسوخ لاهي ناصرية ولا علمانية لا تقدمية ولا ليبرالية ولا حتى "حلمنتيشية", هي هباء فراغ حقد مزمن ،كراهية ومقت حياة ،وإلغاء تعدد ،وعدو صندوق شفيف.
محمد اللوزي
الإخوان يدخِلون المتشدقين بالحداثة جحر ضب 1987