لا ننكر التصحر الذي أصاب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية إبان حكم الدولة البوليسية الفردية.. وما رافق ذلك من دمار للحقوق والحريات المجتمعية من تكميم للأفواه وغياب العدالة واستهداف العقل البشري حسياً بالفقر وسياسة الجوع والتجويع والإفقار المتعمد ليغيب العقل عن ممارسة عمليات الإدراك والوعي والتعلم والتحليل والاستنباط.. ومعنوياً بسياسة التجهيل وإفشال التعليم.. عايش الإسلاميون هذا الوضع عن كذب وكانوا الأكثر تضررا وتحملوا المسئولية في ظل سلطة الغير.. وفي 2011م شاءت الأقدار أن تنتهي فكرة السيطرة على الناس فأشعل التونسيون أولى ثورات الربيع العربي وأعقبتها مصر كسيدة للربيع العربي ومن بعدها ليبيا واليمن ومن ثم سوريا.. وكان الإسلاميون في صدارة هذه الثورات ودفعت بالتيار الإسلامي نحو المسار السياسي والثوري ولكن هذا لا يعني احتكار الإسلاميون على المشهد الثوري أو استفراد طرف سياسي دون غيرة .. بل عملوا على حشد التوافق الثوري والسياسي لتحقيق أهداف الثورات والانتقال نحو التحول الديمقراطي وتبديد المخاوف التي أُثيرت سابقاً حولهم.. يفصح بهذا الكلام شيخان الدبعي احد قيادات الحركة الإسلامية في اليمن في ندوة أقيمت في الدوحة في أبريل المنصرم تحت عنوان (الإسلاميون والثورات) والتي أقامها مركز الجزيرة قائلا" إننا هنا ومن موقع المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقنا كأحد المشاركين في هذه اللحظة التاريخية, لندعو الجميع إلى ضرورة وضع حد لهذه التمزقات غير المبررة, فالإسلام الذي نراه قاعدة عامة للاجتماع السياسي ليس إسلام الأمويين ولا العباسيين ولا المماليك ولا الأتراك, إنما هو إسلام القيم الإنسانية الجامعة, حاملة الخلاص للبشرية من أدواء الأنانية والاستئثار السياسي الاقتصادي والاجتماعي, والمعبرة عن روح العدالة الاجتماعية والحريات العامة, وهو الإسلام الذي يتسع حتى لغير المسلمين كقيم حضارية وإنسانية," فكان الإخوان أكثر الحركات الإسلامية انفتاحا على المستوى السياسي والحقوق والحريات وأكثر انفتاحا في التعامل مع المنظمات الدولية ومن ذلك تعاملهم مع المعهد الديمقراطي الأمريكي.. ورغم التخويف الذي مارسته الأنظمة السياسية العربية على المجتمع من انتخاب الإسلاميين أو القرب منهم.. إلا أن الإسلاميين فد أصبحوا اليوم محفوفين بإطار شعبي وربما هم نسيجه الأقوى.. فالربيع العربي قد طغى على خريف الأنظمة المستبدة وغدا الشارع العربي اليوم هو(ميزان القوة) وأصبح الإسلاميون شوكة الميزان.. فإذا كانت دوائر المخابرات الأمريكية لا زالت تغض الطرف عن هذا التحول وتجبر نفسها على إعادة صياغة هذا التحول بما يتناسب مع مصالحها وسياستها الخارجية مستغلة الوضع السياسي والاقتصادي لدول الربيع العربي حتى وان تطلب ذلك دعم قوى في الداخل العربي من التيارات العلمانية واللبرالية بالتعاون مع العسكر للانقلاب على الديمقراطية والإرادة الشعبية المتمثلة بالانتخابات ، وما حدث بمصر يشهد بذلك.. وبقدر ما كان التخلص من الحكم الداخلي هدفا تم تحقيقه فان التخلص من ضغوطات الدبلوماسية الأمريكية هدفا للشارع العربي يعمل على تحقيقه.. فالدبلوماسية الأمريكية المرتدية (الكاكاي)هي حتما أمرا معقدا وغير مقبول لمجتمعات عربية عانت السلطات البوليسية وتريد أن تفتح عينيها على العلم من بوابة الإنسانية واحترام الذات الإنسانية باعتبار الإنسان مخلوق له كرامته وله حق التصرف وإدارة نفسه وثرواته وخيراته ..وعلى هذه المسطرة يمشي خطواته ويبني مجتمع مدني هو شوكة ميزان القوى .. لكن السياسة الخارجية الأمريكية بقدر ما تدرك ذلك لكنها تحاول تغييره وفقا لمصالحها.. ففي نظرها يتساوى القوي والضعيف وبقدر ما يكون القوي خطرا على أمريكا بقوته فان الضعيف بتحوله إلى دولة فاشلة خطرا على الأمن القومي لأمريكا وعلى هذه القاعدة تتحرك أمريكا في المنطقة وتخوض حربها المفتوحة على القوي والضعيف.. عمل الإسلاميون كما أسلفنا على تحقيق الديمقراطية في تونس ومصر كثمرة للربيع العربي وفق نظام انتخابي قويم وعملية انتخابية نزيهة وشفافة ليغدو الإسلاميون مرة أخرى في المشهد من جديد من إدارة ثورات في الميادين إلى إدارة دولة تخدم المجتمع وتكفل العدل والحرية والمساواة! في الجانب الأخر لم يستوعب القوى العلمانية واللبرالية في مصر المفهوم (الديمقراطية حكم الأغلبية) واكتشفوا وزنهم الحقيقي فجماهير أي حزب أو حركة ليس بالحشد والتجمهر بل تقيسها الانتخابات وصناديق الاقتراع! سقط القناع لنكتشف رغبتهم الحقيقية للانقضاض على القيم الديمقراطية .. وتأمرهم الحقيقي عليها وإنهاك الأوطان في سبيل مصالحهم الضيقة حتى وان كلفهم ذلك الاستعانة بقوى دولية وإقليمية!! ماذا لوكا ن الإخوان المسلمين في مصر هم من قام بالانقلاب في مصر؟ ما الذي سنسمعه من المجتمع الدولي والإقليمي.. سيصفونهم بأفظع الأوصاف وسيكيلون الاتهامات بالتطرف والإرهاب وإنهم قوى ظلامية! وهو ما لا نسمعه الآن حول سلطات الانقلاب في مصر!! في نهاية المطاف الحركة الإسلامية(الإخوان المسلمون )عموما صمام أمان القيم المدنية والحضارية يحملون فكرة الإسلام أوسع الفكر ونبله وأخلاقه.
أحمد الضحياني
الإخوان المسلمون مفاجأة الربيع العربي وصمام أمان الديمقراطية 1744