مع أن مؤتمر الحوار الوطني في اليمن دخل السبت الماضي مرحلته الثانية بعد سبعين يوماً قضاها المتحاورون في تشخيص القضايا والموضوعات المطروحة أمامهم فلا يبدو أن هذا المؤتمر قد نجح في تصفية إرث الماضي الثقيل وتقريب وجهات النظر المتباعدة.. فالتباينات والخلافات التي برزت إلى السطح حول شكل الدولة الجديدة وتسوية قضيتي الجنوب وصعدة أظهرت أن القوى التي تشترك في رسم ملامح المستقبل اليمني متباينة من حيث الرؤى والأفكار ومن حيث إسهامها في تأزيم أو حلحلة الواقع الذي ينغص حياة المواطن اليمني البسيط الحالم بوطن آمن ومستقر ينعم في ظله بالعيش الكريم.
وإذا ما استثنينا تصريحات مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في اليمن جمال بن عمر والتي تحمل الكثير من عبارات التفاؤل فلا احد بوسعه ان يزعم حتى الرئيس عبدربه منصور هادي نفسه ان مؤتمر الحوار في اليمن يتقدم نحو إنجاز أهدافه في التأسيس لمشروع وطني جامع لكل اليمنيين أو أنه الذى تخطى حاجز الفشل وصار نجاحه مؤكداً وذلك أمر طبيعي اذا ما علمنا أن فكرة الحوار في اليمن لم تكن نابعة أصلاً من الداخل الوطني بقدر ما كانت استجابة لاقتراح أميركي تم طرحه أثناء التفاوض على بنود المبادرة الخليجية فقد اقترحت الولايات المتحدة كما يقول سفيرها في صنعاء جيرالد فايرستاين عقد مثل هذا الحوار بعد ان وجدت ان من مصلحة اليمنيين ان لا تتوقف عملية التغيير السياسي في بلادهم عند حدود انتقال السلطة من رئيس سابق إلى رئيس جديد.
وفي كل الأحوال فإن الصعوبات التي تعترض طريق مؤتمر الحوار ليست ناتجة عن فكرة الحوار أو التقاء اليمنيين على طاولة النقاش والمصارحة وبحث خلافاتهم وإنما في الآلية التي رسمت لهذا الحوار والقضايا التي زج بها إلى ساحته والأخطاء المفصلية والبنيوية التي رافقت مسيرته ثم نوع المكونات المشاركة فيه والتي تم اختيارها وتقسيمها تحت مسميات مختلفة ومتفقة تؤدي في النهاية إلى أغلبية تتجه في الحوار إلى نتيجة محددة سلفاً.
وأجدني هنا متفقاً مع ما ذهب إليه أحد مراكز الدراسات في اليمن والذى أشار إلى أن مؤتمر الحوار الوطني قد نقل الصراع من صراع بين سلطة وقوى سياسية وشعبية إلى صراع بين شمال وجنوب بل إن مسارات هذا المؤتمر المتصادمة والمتعارضة هي من قد يدفع باليمن إلى مستنقع مظلم وحروب تدميرية على مستويات المحافظات والمدن تحت رايات جهوية وعنصرية ومذهبية وأنفاق مجهولة المصير والمعالم وهو ما يجعل من هذا المأزق هو العنوان الأكثر أهلية للتعبير عن حوار يجري دون خطة واضحة أو مرجعيات مكتوبة يتم الاحتكام إليها عند الاختلاف بل إن الأمر يبدو أكثر صعوبة عندما نقف على بعض المخاوف التي يخشى أصحابها من ارتهان الحوار في الفترة المتبقية له لأجندات تصفوية انفصالية أو منطلقات جهوية تمزيقيه تكرس لولادة محمية فيدرالية منقوصة السيادة ومختلة الأمن والوئام الاجتماعي.
لا شك ان هناك حالة من الاحتقان الشديد في جنوب اليمن وهناك مشكلة في محافظة صعدة وهناك أيضاً رغبة شعبية في التغيير والإصلاح تساور اليمنيين جميعاً غير ان معالجة الاحتقانات والمشكلات والانتقال صوب التغيير لا يقتضي بالضرورة استبدال الوحدة بالاتحاد، والدولة الاندماجية بدولة فيدرالية وتقسيم البلاد على أساس الجغرافيا واللكنات المناطقية بقدر ما يتطلب من اليمنيين مواجهة أخطائهم بشفافية وحكمة وشجاعة وصدق عوضاً عن التوقف عن حرق المراحل والانشغال بصراعات الماضي والنبش في دفاترها والتركيز على بناء المستقبل وكل ما من شأنه التأسيس لبناء الدولة اليمنية العصرية.
إن من يقرأ الرؤى التي تقدم بها الحراك الجنوبي لمؤتمر الحوار الوطني قراءة معمقة لا سطحية سيجد ان تلك الرؤى قد غلب عليها الشطط والنزق السياسي حيث انصب اهتمامها على نعي الوحدة والدعوة إلى تشييعها ومواراتها التراب اكثر من التزامها بأية ثوابت أو مرجعيات وطنية. ومثل هذا الطرح وإن لم يخضع لمراجعة عقلانية ورصينة فإنه الذي قد يؤدي إلى تفجير الحوار وإفشاله وجر البلاد إلى منزلق الفوضى والتشظي والانقسام، واذا ما حدث ذلك- لا سمح الله- فحينها لن يفيد تحميل هذا الطرف أو ذاك المسؤولية أو القول إن الرؤى المتطرفة هي المسؤولة.. فالمسؤولية هي مسؤولية جميع اليمنيين الذين عليهم ان يستفيدوا مما يجري اليوم في عدد من البلدان العربية من فتن، وأن لا يسمحوا بتقويض فرص اتفاقهم على مشروع المستقبل وإفشال مؤتمرهم الحواري والعبث بوحدتهم التي لن تستقيم أية تسوية على الأرض بالقفز عليها..
الرياض
علي ناجي الرعوي
ماذا لو فشل الحوار في اليمن؟! 2050