السلفيون في مصر لم يستطيعوا التحرر من ماضيهم المتقوقع.. فهم أصلا غير مؤمنين بمسمى تنظيم حزبي بسبب قصور في الفهم لأهمية التغيير؛ لهذا كان سقف قيمة العمامة أكبر بكثير من قيمة الكرامة؛ وبناء على هذا الفهم السطحي للإسلام عند البعض ترتب عليه موقفهم من الديمقراطية والحزبية حيث ذهب بعض غلاتهم إلى تكفير من يؤمن بها، وكان اقتراب السلفية من الحزبية خط أحمر يكفر غلاتهم صاحبه على أساس أن الديمقراطية والحزبية منتج غربي كافر بقيم الإسلام وكان هذا أحد أهم أسباب عداء السلفيين غير الرصين للإخوان.
وبناء على ما سبق يمكن القول: إن الممول الرئيس للسلفيين سواء في مصر أو اليمن قد ألزمهم بالعمل الحزبي والديمقراطي وهم عنه راغبون بمعنى أنهم شربوا كأس الحزبية رهبة لا رغبة، وأن رئيس حزب النور قد آمن بالحزبية والديمقراطية إملاء لا رغبة بدليل أنه رجع وكفر بالديمقراطية وحتى عن شرعية وليّ الأمر بما يفيد أنه يسير على سلفية خادم الحرميين لا إماما المرسلين؛ فانقلب على وليّ الأمر السني حافظ القرآن مع أنه كان يوعظنا -حربا على ربيع الثورات- "إلزم طاعة ولي الأمر وإن أخذ مالك وجلد ظهرك".
فهذه أيضا تميله عليهم سلفية خادم الحرمين والتي سمع لها حزب النور وأطاع لينقلب على ولي الأمر الشرعي وإعادة حكم العسكر الذي يأخذ المال ويجلد الظهر بل ويقتل المصريين وكل ذلك نزولا عند رغبة أو سلفية الممول الخليجي كما فعل السيسي نفسه عندما نزل عند رغبة الممول الأمريكي للجيش منذ زمن بعيد حتى يضمن ولاء القادة وبيع الكرامة والسيادة..
إن القصة تكرر نفسها؛ فما أشبه اليوم- يوم رئيس حزب النور- بالبارحة- بارحة بلعام بن باعورا- الذي انصاعت مبادئه تجاه سلطة وسطوة المال وقد كان مستجاب الدعوة؛ وعالما بأسماء الله العظمى بيد أنه لما تعرض لفتنة المال حاول أن يستعمل مكانته الدينية ضد إرادة الحق وأهله ؛ وبدلا من أن يدعُ على فرعون مصر حرفت سلطة لمال نهجه ولسانه؛ فراح يدعو على موسى وجنده فنزل فيه قول الله تعالى:
(وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ). وكما رأينا انشقاقا واسعا في صفوف حزب النور السلفي بسبب انصياع رئيسه لما يُملى عليه وتجاه غواية المال وضخ المليارات الخليجية؛ لينضم بعض من انشق إلى رابعة مؤيدا للشرعية. وإن ما حصل من انشقاق أو عدم رضى في صفوف حزب النور لا يستبعد حصوله أبدا في صفوف الجيش المصري إذا ما لجأ هذا الأخير إلى استعمال العنف ضد المؤيدين للشرعية وهم يمثلون أغلبية الشارع المصري؛ أضف أن سمعة ومكانة السيسي قد تهاوت في الحضيض لدى غالبية صف وضباط وأفراد الجيش المصري؛ ولم يعد ذلك القائد الحريص على مصر في مخيلة ذلك الجيش فسقطت مكانته كما سقطت قبلا في مخيلة أغلب الشعب المصري المؤيد للشرعية والمنتهج للديمقراطية التي كفر بها السيسي ورئيس حزب النور وشيخ الأزهر ليسمح ثلاثتهم بأن يعزل بابا
الكنيسة أول حاكم مسلم حافظ للقرآن وصعد بانتخابات نزيهة وشفافة وهكذا سقط القناع عن الثلاثة لكن ما لفت نظري في اليمن أيضا أن بعض السلفيين الذين كانوا يكفرون بالحزبية والحزبيين وبالديمقراطية والديمقراطيين انخرطوا وينخرطون أيضا في العمل الحزبي والتنظيمي ولست أدري هل هذا الانخراط لسلفيِّ اليمن هو عن قناعة تامة بضرورة العمل الحزبي وتقدم في الفهم والوعي السلفي أم أن هذا الانخراط ناتج عن إملاءات وآلية تنفيذية كما كان الشأن في السيناريو السلفي المصري !؛ ليضعنا في صورة ما حدث في مصر وفي ذلك السيناريو التآمري الانقلابي. وهل هذا يعني - حسب هذا التوقع- أن أعداء الأمس في دماج صعدة سوف تؤلف بينهم تلك الإملاءات ليصير حال الفريقين حال العبيد فيقفون متحدين ضد رؤية يمن جديد ! أم أن الانقسامات في صفوف سلفيِّ اليمن سوف تكون أكثر تفاقما من مصر؛ لسببين واحد يشترك فيه سلفيو مصر واليمن وهو الانخراط في الحزبية تلبية لإملاءات خارجية وليس رغبة أو وعيا بأهمية ذلك في التغيير والثاني الذي يميز سلفيِّ اليمن عن مصر أنهم سيجدون أنفسهم في بوتقة أو سلة واحدة مع العدو اللدود لهم وهم الحوثيون خاصة وأن جراحات دماج لم تندمل بعد وهذا يقف عائقا أمام الممول وكذلك عائقا أمام السلفيين المخلصين.. فإما أن ينضموا لقوى الثورة
أو يفضلون الحياد ولعل سكوت شيخ السلفيين في مصر -محمد حسان- دليل على ذلك الحياد الذي لا يليق أبدا بمكانته ولا بعلمه فمتى سيخرج عن صمته إذ هو كفيل أن يعود بكامل سلفيِّ مصر إلى جادة الصواب.. وانطلاقا من التحول المفاجئ في مسيرة السلفية المصرية واليمنية وذلك بالذات بعد ثورات الربيع العربي وبعد القفزة الثورية للشعوب المسلمة؛ إذ هذه القفزة الثورية التي غيرت المعادلة رأسا على عقب لصالح الشعوب المقهورة ترتب عليها في الوقت نفسه قفزة نوعية مفاجئة لدى السلفية ؛ من كفر بالحزبية والديمقراطية إلى إيمان عميق بهما وقد كان يذهب بعض غلاتهم -كما سلفت الإشارة -إلى تكفير من ينهج النهج الديمقراطي؛ ومن هذا التحول المفاجئ يجعلنا نتيقن أكثر أن السيناريو المتآمر واحد وكاتب بنوده وآلياته واحد من حيث الهدف ومتعدد من حيث الجغرافيا والأيديولوجيا؛ إذ يندرج تحته المسيحي واليهودي والمجوسي وبعض المتأسلمين؛ فما يحصل من تآمر في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا يتبع سيناريو معدا سلفا وإن اختلفت نوعية أو آلية التنفيذ من دولة إلى أخرى فإن ذلك التنوع تمليه المصلحة الدولية في جوانبها الاقتصادية والأمنية والسياسية؛ ففي حرب سوريا - مثلا- ينتفي الإضرار بتلكم المصالح
وخاصة الاقتصادية فلا تقع سوريا على ممرات تجارية هامة؛ فلا مانع من أن يستمر الحرب لسبع سنوات عجاف؛ لكن حدوث سيناريو سوريا -مثلا -في اليمن ومصر من شأنه أن يضر بمصالح الذئاب الاقتصادية عبر مضيق باب المندب وقناة السويس وهذا أدى إلى أن يتقمص الذئب الدولي والإقليمي قميص الحمل الوديع فهو جاهز لأن يلبس لسياسة المصالح /ألف لبس/؛ لهذا أرسل إلى سوريا الإبراهيمي الأحمر -عفوا- الأخضر وأرسل إلى اليمن ابن عمر ففضل ورقة الحوار بدلا من ورقة الحرب ليس لأجل حقن الدم المصري واليمني بل حتى لا تسيل المصالح الاقتصادية للغرب وتغوص في أعماق البحر الأحمر والمتوسط وهو مخطط له أن يسيل في جيوب وخزائن الذئاب فمصلحة الذئب اضطرته أن يتقمص ثوب الحمل الوديع في كل من مصر واليمن وتونس أما تونس, فالسبب أمنيا بامتياز حيث أنها تجاور أوروبا عموما وفرنسا على وجه الخصوص ؛ وورقة الحرب تعني مغامرة كبرى ففرنسا تعي جيدا ان قيام حرب في تونس سيل دماء التونسيين إنما يعني حصول سيل من الإرهاب ليتجه نحو فرنسا وأوروبا والغرب أو نحو مصالحهم خاصة وان تنظيم القاعدة والسلفية المتشددة متواجدان بقوة في المغرب؛ بعكس سلفية مصر واليمن المطاوعة.. ومن هنا أقول إن على الشعب المصري واليمني والتونسي أن يمضي نحو أهداف ثورته ولا يتخوفون من مغبة وقوع حروب أهلية لأن قرع طبولها ليس في صالح المصالح وهكذا لم يعط الضوء الأخضر صالح.. وفي مصر بالذات يوجد تخوف أمني بالإضافة للتخوف الاقتصادي ويأتي من مجاورة مصر لإسرائيل؛؛ فهذه الأخيرة مشغولة بمراقبة حدود سورية ولن تستطع أن تراقب الحدود الأوسع بينها ومصر؛؛ أضف أن الإسلاميين في الأردن إذا ما قرعت طبول حرب أهلية في مصر لن يضلوا صامتين وهذا يعني أن إسرائيل تدرك جيدا أنه في حالة حصول حرب في مصر سوف تفتح على نفسها ثلاث جبهات من ثلاثة منافذ والله أعلم ما سيكون وضع وحال غزة العزة ساعتها بما يعني فتح اربع جبهات قد تدخل فيها تركيا خامسة وكل شيء متوقع حينها؛ لهذا فإن إسرائيل تحسب لذلك ألف حساب وتدرك جيدا مغبة انشقاق الجيش المصري وحدوث حرب أهلية؛ لهذا نستبعد من وراء الانقلاب هو تقصد المؤامرة على الجيش المصري كما يذهب البعض وخاصة في مثل هذا سياق مشتعل، وإنما المعني بالتآمر هو المشروع الإسلامي الذي يقف معه غالبية الشعب المصري وسوف يعيده إلى مكان الريادة حتى ترجع مصر إلى الريادة نفسها ولو كرهت إسرائيل
وكتاكيتها والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
د.حسن شمسان
هل إيمان السلفيين بالحزبية وعي بالتحولات أم طاعة للإملاءات ؟! 1507