ما أسهل الكلام عن مؤامرة خارجية هدفها سوريا أو مصر أو العراق!, فنظرية المؤامرة لدينا استولت على إدراك وذهن الكثير من النخب السياسية والفكرية والدينية، إنها ثقافة مضللة مخاتلة مشوهة لحقيقة المشكلة الداخلية الناتجة في الأساس عن أنظمة سياسية مستبدة فاسدة غير قادرة على التأقلم والتعايش مع بيئة عولمية عنوانها الديمقراطية والحريات واحترام حق الإنسان في الحياة والرأي والمعتقد والكرامة, وسواها من المفاهيم العصرية الطارئة على ثقافة الطغاة والديكتاتوريين من الحكام المحليين الفاسدين..
فحين استيقظت مجتمعات هذه الأوطان النائم أهلها قروناً قيل بأن ثوراتها وقرابينها ليست سوى مؤامرة غربية أمريكية صهيونية، تسأل وببراءة ومرارة: ألم تكن أمريكا وأوروبا داعمة ونصيرة لهذه الأنظمة العائلية الطائفية العسكرية الموغلة بالفساد والبطش والتنكيل بكل من يناهضها؟, ألم يقل ديفيد كاميرون, رئيس وزراء بريطانيا, أمام مجلس العموم منافحاً عن مشاركة بلده ضمن قوات حلف الأطلسي في ليبيا "مصلحة بريطانيا اقتضت منا دعم الأنظمة الديكتاتورية خلال الحقبة المنصرمة ومصلحة بلادنا أيضاً تقتضي منا دعم المجتمعات الثائرة اليوم؟".
الغرب يا قوم ليس خيراً أو شراً مطلقاً كيما نلقي على كاهله كل سوءاتنا وعجزنا وإخفاقنا، لماذا علي تصديق قولة أن ما يجري في أمصار عربية ليس إلا مؤامرة تم حياكتها في البيت الأبيض؟, ألم يقل الرئيس السابق بأن ثورات الشباب العربي مجرد مؤامرة صهيونية أمريكية يتم إدارتها وتوجيهها من عمليات في تل أبيب؟.. وعندما طلبت الخارجية الأمريكية تفسيراً لهذه الكلمات النارية التي أطلقها صالح في جامعة صنعاء في ذاك الوقت, لم يتأخر, إذ سرعان ما اعتذر قائلاً: إنه قد أسيء فهمه نتيجة للترجمة الخاطئة, إذ لم يرد الإساءة لأصدقائه الأمريكيين.
نعم, فأوروبا وأمريكا همها الأول المصلحة والمنفعة العائدة عليها من هذه الدولة أو تلك، المسألة الأخرى تتعلق بقيم ليبرالية وأخلاقية تحتم عليها التعامل معها بمرونة وتؤدة وحنكة وبقدر من الالتزام المجل لإرادة المجتمعات الحرة، فعلى هذه القاعدة الأصيلة من المصالح الاقتصادية الحيوية مع الخارج وكذا من الالتزام بقيم ليبرالية وأخلاقية تجاه المواطن في الداخل؛ يتصرف ساسة أوروبا وأمريكا إزاء مختلف القضايا والمشكلات المحتدمة الآن في مصر أو سواها من دول ما سمي بالربيع العربي.. فما من مؤامرة أكثر من هذه الواقعة على مجتمعاتنا العربية الغارقة في أتون الجهل والتخلف والفقر والفساد والوهن والاضطهاد!, فالمؤامرة الحقيقية كامنة في أنظمة حكم عابثة فاسدة مستبدة لا يبدو من تركيبها وإرثها الموغل بالتسلط والفساد بأنها باتت آهلة وجاهزة لحكم شعوبها.
الخطأ الفادح والقاتل هو إفراطنا في الحديث عن مؤامرة خارجية هدفها الإسلام والمسلمون, أو العروبة والعروبيين, أو المقاومة والمقاومون، فمثل هذه المؤامرة- وعلى فرضية وجودها- الأولى بها الصين واليابان والهند وروسيا وإيران وكوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة والبرازيل وتركيا, وسواها من الدول الصاعدة اقتصادياً وعسكرياً ومعرفياً وتكنولوجياً، فآخر ما يمكن للعقل استساغته هو أن دول أمريكا وأوروبا منهمكة كلياً في مسألة التآمر على العرب والمسلمين.
مناوئو الإخوان في مصر يحدثونك عن مؤامرة إخوانية أمريكية صهيونية للنيل من الجيش المصري الذي يتلقى سنوياً من الولايات المتحدة ما مقدراه مليار وثلث مليار دولار، فمنذ ما بعد توقيع الرئيس السادات ومناحيم بيغن لاتفاقية السلام في كامب ديفيد سبتمبر 1978م وهذه المعونة الأمريكية سارية المفعول، ضف لذلك أغلب قيادة الجيش المصري الآن هي إما خريجة الأكاديميات والكليات والمعاهد الأمريكية, أو أنها نشأت وتبلورت في كنف ثلاثة عقود من الوئام والدعم..
ومع هذه العلاقة النفعية الجيدة مع أمريكا وقادتها الجمهوريين والديمقراطيين ينبغي علينا نسف كل ما رسب في ذاكرتنا أو استوطن واقعنا, بأن الإخوان هم حلفاء أمريكا الجدد، فلمجرد موقف غامض ومرتبك حيال الإطاحة برئيس منتخب ديمقراطياً أمريكا والإخوان هما الخطر المستطير، فالاثنان معاً وفي ظرفية لا تتعدى الأيام افصحا عن مؤامرة كبرى بذرتها أول اتصال ما بين جماعة الإخوان والأمريكيين قبل عقد أو يزيد، مؤامرة محكمة بدأت فصولها مع دعوة الرئيس جورج دبليو بوش لشرق أوسط كبير.
مؤامرة لا تقتصر على جيش مصر, وإنما تمتد إلى الجيش العراقي والآن الجيش السوري المقاوم ببسالة وشراسة غير معهودة منه في أية مواجهة عسكرية مع إسرائيل، مؤامرة على أربعمائة مليون عربي في 22دولة هشة وضعيفة لم نعثر فيها على دولة واحدة جديرة بالزهو والاحترام، مؤامرة على جيوشها الجرارة الفتاكة بأطفالها ونسائها وشيوخها ومكتسباتها ولحد الشعور بالخجل إزاء فظائع أو انتهاكات إسرائيل وأمريكا.
أصدقكم إنها مؤامرة فظيعة ومدمرة ومحبكة؛ لكنها من أنظمتنا الخانعة الفاسدة الشرهة للقتل والدم والاضطهاد، نعم مؤامرة صناعها حكام طغاة لا يقيمون للعدالة وزناً أو اعتباراً، حكام جل ما في ذهنهم أو سلوكهم هو الاستئثار بالحكم حتى الرمق الأخير، حكام ليس في قاموسهم ثمة كبرياء وكرامة لآدمية من يحكمونهم كرها وغصبا ودونما رغبة أو إرادة منهم..
فأنظمتنا الظالمة الفاسدة المستعبدة لمجتمعاتها هي علتنا وداؤنا العضال المزمن المستفحل في كل كيان ومكان، وعليه فإن ما نشاهده اليوم في سوريا أو مصر أو اليمن أو تونس أو ليبيا أو البحرين أو غيرها لن يكون مستهلاً أو نهاية لمؤامرة من الغرب أو الشرق؛ بل يمكن القول إنه نتاج طبيعي لسقم مهلك جذره الرئيس وسببه المباشر الأنظمة السياسية البوليسية والعبثية الخانعة للغرب والشرق.
لذا وبدلاً من البحث عن شماعة خارجية نعلق عليها إخفاقنا وفشلنا وتخلفنا الحضاري والديمقراطي والإنساني, يجب علينا إعادة النظر حيال هذه الأنظمة القمعية الفاسدة، فلولاها ما رأينا ثورة أو قيل بمؤامرة.
محمد علي محسن
شماعة الخارج!! 1708