في إحدى تصريحات عبده الجندي, سلط بعفويته المنقطعة النظير الضوء على بعض التفصيلات في سياسة الرجلين, حيث قال": علي عبدالله صالح كان وما يزال يبقي تلفونه مفتوحاً طوال اليوم, بينما عبد ربه منصور هادي يغلق جواله بشكل دائم, لأن الأول يتعامل مع أفراد, والأخير يتعامل مع مؤسسات".. الأول رجل علاقات.. والأخير رجل سياسة!.
رغم تنامي شعور الإعجاب لدي ولدى الكثيرين بسياسة الرئيس التوافقي "عبد ربه هادي", إلا أني لا أحبذ فكرة التمديد له التي يطرحها البعض بين تارة وأخرى, وذلك لأسباب عدة, منها أنه هو نفسه يرفض هذا التمديد, ومع أن ذلك يرفع درجة إعجاب المواطن به, وقد يندفع البعض وراء الانفعال العاطفي ويتشبث بفكرة التمديد تأثراً بموقفه النبيل, غير أن إصراره على عدم قبول التمديد, يرفع مستوى ثقتنا بصحة اختياره, بحيث نرتضي جميعنا قراره هذا ونزكيه, ونحن مؤمنون بأن رجلاً سياسياً مخلصاً ومحنكاً مثله لن يختار للوطن سوى الوضع الأمثل..
ثم إني برفضي التمديد لا أرفض التمديد لشخص (عبد ربه هادي), بل أرفض التمديد للوضع المأساوي الذي يعيشه الوطن والمواطن في هذه الفترة الانتقالية الرمادية, البغيضة!, وكذا "هادي" في تصوري إنه يشاطر الرافضين الرؤية ذاتها.. وفي اعتقادي أنه يرفض التمديد لدولة (اللا دولة) التي نحترق بأعاصيرها في هذه الحقبة الزمنية المعقدة من تاريخ اليمن الحديث.
إن الداعين للتمديد لهادي إنما يسعون من وراء مطلبهم هذا للإفساح بمزيد من الوقت لغول الفساد كي يزداد ضراوة وفتكاً بالوطن والمواطن, ويكرسون لحالة اللا أمن والفوضى, ويدمرون الوطن بإتاحة الفرصة لمزيد من الانتهاكات لتجفيف المنابع وإغراقه في فراغ سيادي مخيف.
الرئيس/ عبد ربه هادي أظهر في فترة حكمه القصيرة جانباً خفياً في شخصه (شخصية القائد), ووضعه كرئيس توافقي في مساحة نفوذ متقلصة ومحدودة لا تسمح له بالتأثير اللازم لتحسين الموقف يزعج شخص القائد فيه, ويزعج المواطن كذلك, ويهدد سيادة الوطن!.
أخيراً: ثمة تخرصات ورجم بالغيب من لدن البعض, ورمي بأسماء على مسامع الناس للرئيس المتوقع لليمن في مرحلة ما بعد هادي.. كل المحاولات المستميتة من المنسحبين للماضي لفرض شخص غير مناسب لهذا المنصب, وبرمجة عقول الناس على قبوله, والإيحاء لهم بأن هذا أو ذاك هو خيارهم الوحيد أو الاحتراب, إرجاف ستقاومه روح الثوار الأحرار في كل بقعة من بقاع الوطن الغالي..
نريد دولة نظام ومؤسسات وسيادة القانون.. نريد قيادة تحقق الإنجاز وتهتم بالمواطن الإنسان أياً كان, نرفض اختزال الوطن في رموز وأشخاص, نرفض الانسحاب للماضي.. نرفض أسلوب اصطناع الرجال لخدمة حزب أو شخص فحسب والعمل في شللية مقيتة!.
أرادوها ثورة كاذبة, لكن الله جعلها روحاً تسري في العقول والأفئدة, تفتح القلوب والأبصار وتنزع الأقنعة.. الثورة كشفت لنا العدو الداخلي, والخارجي لهذا الوطن, وعار على الشرفاء المخلصين من رجاله التفريط في حق تقرير المصير واستقلالية القرار والسيادة الفعلية على الوطن العزيز.. اليمن لليمنيين.
لن نقبل بظل قائد يسيّره عميل قريب, أو عدو بعيد.. نريد حكماً رشيداً, ذكياً، يحاصر روح العمالة ويزهقها للأبد.. نريد زمناً حراً نصوغ فيه أروع عقود التاريخ الحديث للوطن الحبيب!.
الأرض لساكنيها.. مهما حاول الأجنبي فرض سيطرته, فهو سيبقى خارج الحلبة, واللاعبون الحقيقيون هم اليمانيون الذين يكدحون ويحرزون النقاط ويسقون الأرض بعرق النضال, لينبتوا النصر أشجاراً باسقة يستظل تحت ظلالها الوارفة الجيل القادم, ليحيا في وطنه الحياة الكريمة التي لم نحياها نحن كما يجب!.
نبيلة الوليدي
صالح لن يعود.. لكن ماذا بعد هادي؟ 1667